299: يوم في زمن الكورونا

تسمّرت أمام اللوحة المُعلّقة على جدار المستشفى تمامًا بعد أن دخلتها من بابها الرئيسي. الوضع ما زال كوميديًّا بالنسبة لي رغم الجهود المُضنية في أخذه على محمل الجدّ.

" اغسل يديكَ جيّدًا "، نقولها وكلّنا أمل، في أن ينظر المواطن الذي يكحّ حلقه في وجوهنا ويكحّ ترابًا في وجه الحياة نظرةً جدّية لأن يغسل يديه لا بماء التِرعة ولا بماء الكولديرات الصدئة ولا بماء الحمّامات العامّة الذي تختلط رائحته برائحة المجاري، لا بل بالماء المُصفّى والمعقّم "أبو فيلتر سبع مراحل".

" إذا شعرت بأي من الأعراض إلزم بيتك"، والعيال والمال والأحوال؟ ربّ العمل لا يعترف بالتلاكيك ويعترفُ بالمال، لذا سمُيّ للعمَلِ، ربًّا. استحضرتُ صوت سعال حاجّة قابلتها اليوم بقيت تكحّ في وجهي ثلاثون ثانية متواصلة حتى شعرتُ أنني ملفوفة بلحافٍ فايبر في حلقها، تحديدًا فوق قصبتها الهوائية. بدا أن بيتها، في وجهي، فلزمته.

" إذا شعرت بأيّ من هذه الأعراض تواصل معنا"، لا أعرفُ شخصًا بالغًا واحدًا ذهب لزيارة طبيب في حالات البرد أو ارتفاع درجات الحرارة أو حتّى ضيق النفس. اعتدادنا الوهمي بأنفسنا جعل فكرة الدكتور هي الفكرة الأخيرة التي لا نودّ اللجوء إليها، ذلك وأن الأطباء كذلك لا يجعلون المشوار سهلًا ولا - على أقل تقدير- مريحًا.

في الصيدلية، لم تنتبه لي مريضةٌ، ولم أتخيّل أنها ستقف أمام تلك اللوحة، ما جعلها تفقد انتباهها على الدواء المصروف. قال مريض آخر:" يا ستّي انجزي" فردّت بثقة: " مش أفهم طيب! ده بيقوللك أعراضه قيء وإسهال ساعات، وضيق شديد في النفس وسخنية"، فردّ كمن يرفض معلومة على طبق من ذهب: " يا ستي! يعني هو في دوا للصداع لما يبقى في دوا للڤيروس!؟" فنظر لي طالبًا التأكيد، فخذلت جهله وآماله القليلة: " لأ متقلقش، فيه، دوا للصداع." ثم ابتسمت بينما أنا أتذكّر الثورة.

-

299/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا