11: مصلٌ جديد: حساسيّة الجناحات

أنا أفهم جيداً لم تتعامل فتيات جيلي مع الزواج على أنه انتصارٌ شخصيٌّ لها في معركتها ضدّ العنوسة ونميمة بنات العم والخالة. ولذلك لا تحتاج أي فتاة عربية أعرفها أو لا أعرفها أن أشرح لها الجملة السابقة، لأنها على الأغلب واحدة من اثنتين: إما هي شخصياً واحدةٌ منهنّ وقد فازت في عرف المجتمع، وإمّا ليست واحدة منهنّ لأنّها تحارب وحدها على الضفّة الأخرى.

حربٌ لا أعلم تماماً متى نشأت وكيف نشأت، لكنّها لا شكّ حربٌ باردةٌ، تغلى في باطن أرض هذا الجيل وأجيال أخرى قبله، وعلى أقرب تقدير ستظلّ لأجيال أخرى قادمة. أخافُ أحياناً من مجرد التفكير في كمّ المُهدرات الإنسانية، والعقول الأنثوية التي ذهبت سُدى، لا لأنها لم تكن قويةً بما يكفي ولا لأنها لم تكن موهوبة بما يضمن لها حق الإستمرار، بل لأنها لم تستطع -برغم جناحيّ التنين اللاتي غرزتهما في ظهرها- أن تطير أبعد من سقف البيت!
لمَ تتحطّم آمال فتياتٍ كثيرات أمام عتبة البيت! ألإنّ المجتمع لم يعترف بعد بأن هناك مصلاً للحساسية يؤخذ قبل الإنجاب، مصلٌ يحمي المجتمع ضد حساسية الجناحات. أتعرفُ أحداً يعترفُ بهذا المصل؟ انظر حولك جيداً، وأخبرني إن كانوا قد تجاوزوا عدد أصابع اليد الواحدة.

ثم، ترى الكثيرين يتهافتون على الأمر بدون وعي كأنهم فراشات النور، ولا نور هناك، إنها النار، تحرق كل ما قد يقف أمامها. محزنٌ كم ذابت جناحات فيها!

من هذا المجتمع القميء إذاً؟ أنتَ تعرف الإجابة، إنه أنا، إنه أنت إنه هُم، إنّه هَمّ، هل هناك سبيل لأي شيء أجمل مما نحن فيه الآن؟ مثلاً كأن تتزوج الفتاة أو لا تتزوج ( هيّ حرّة! )، كأن يتزوج الشابّ أو لا يتزوج ( هو حرّ! )، أن لا توصم المرأة بالعنوسة والطلاق والعُقم، أن لا ينتظر الجميع منها ( إثبات الشرف ) دون أن يقرأ كلمة واحدة عن جهازها التناسلي مثلاً، وأن لا يعامل جسدها على أنه أي شيء آخر سوى جسدها هي فحسب؟! هل هناك سبيل؟

أتفهّم كل الأمور حولي، وقد أتقبّلها، ولا أعلم ماذا ستحمل لي الحياة على المستوى البعيد، ولا أكنّ ضغينةً للجناحات التي لم تستطع إكمال الحرب، أنا كذلك أشعر بالتعب، لكنني حانقة على المجتمع، نحن فراشات نور لا نار! إن كانت النار جليّة إلى هذا الحد وكان لهيبها حارقاً، لا تتجاهلها، انتحر الكثيرون واحترقوا ليقول لهم المجتمع بكل دم بارد: "عفارم عليكو، بنتكو مدام، مبروك!"

إن قضيّة الزواج أعمق من أن أتناولها، وأعمق من أن تُناقش أبعادها كاملةً، وأعمق من كل تجربة شخصية وأي أمثال شعبية. لكنّ انتصاراتها الزائفة لا تعنيني، إن كنت ستنهزمين في هذه المعركة الخائبة، فانهزمي. ليست نصيحة، هي تمتمات النفس. أستحقّ ما هو أبعد من انتصاراتٍ واهية، وما هو أرقى من معركة سخيفة لا نجاة فيها على أقلّ تقدير. 

-

11/ 365

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا