12: حلولٌ مدروسة: زرعٌ لا يموت

أفكّر.. ماذا سأكتب في يومي الثاني عشر.. أفكّر..
يدور في ذاكرتي مشهدين، فيما يبدو أن ارتباطهما كان تقادمياً، وكان خفيّاً، تشكّلت بينهم العلاقة خلال النصّ، وأطنّ أنني سأشارككم المشهدين كما هما:

أولهما:
كنت في طريقي لبيت جدتي، قبل الإفطار بساعة تقريباً، وبطول الطريق كان الزرع يمدّ أطرافه، النخل والنجيلة والفدادين الخضراء. أحب أن أشاهد كل هذا يندمج بقلب السماء، الشمس تغازل الأرض قبل أن تُلقي بنفسها في أحضانها الواسعة.
لمَ في خضمّ كل هذا يخطر ببالي تساؤل غريب: لمَ ماتت كل زرعة وضعتها في غرفتي؟

أتذكر أنني قرأتُ في مكان ما، أن الزرع والأشجار الصغيرة والزهور تسحب من بيتك الطاقات السلبية وتستبدلك بطاقات ضخمة وواسعة؛ طاقة الطبيعة.

لمَ ماتت كل زرعاتي إذاً؟ أتوقع أنني أنا من قتلتها. لم تستطع المقاومة أكثر! أرادت أن تهديني ما هو أجمل وأبعد من مجرد لون أخضر زاهي، وأنا أهديتها سمّاً قاتلاً! طاقات سلبية بكميّاتٍ يصعب عليها التخلص منها واستبدالها بأي طاقة، وأي شيء، إن شالله استبدالها بشوية لبان!


ثانيهما:
وصلت لبيت جدتي، تناولنا الإفطار سوياً وتذكّرت - أخيراً- رغبتي الشديدة في الحصول على صورةٍ واحدةٍ لنا معاً، أصبحت أعي قيمة الصور مؤخراً! الصور التي تُؤخذ مع هؤلاء اللذين لا تتذكر أبداً أن تحمل لهم صوراً في المحفظة أو في دفتر يومياتك، كـ تيتة!
وما لبثنا أن تهيأنا للصورة، حتى باغتتنا نساء الحارة؛ " جينا نتطمن عليكِ يا حجة بقالك يومين منزلتيش تصلي معانا، إنتِ بخير؟"
كانوا في حدود السبع نسوة، قبّلوا الجميع كالعادة، هنّؤوا الجميع كذلك، أردن الإستئذان سريعاً فلم تسمح جدتي أن يخرج أحد من بيتها دون ضيافة، انصاع الجميع لرغبتها فلا مفرّ! جلسن، أكلن الكنافة ، تسامرٌ وكلام وأصواتٌ تعلو، و "الصحة في النازل، والأسعار في الطالع"، هذه الجلسة أصيلة. أحبّ جدتي! كلُّ شيءٍ في بيتها صغيرٌ ونظيفٌ ورقيق ودقيق، على رغم بساطته، يحبّ الجميع أن يجتمع فيه. لا شيء يميّزه حقاً سوى أنّها فيه، هي الأثاث والستائر والأرائك والتفاصيل جميعها.

في مثل هذه التجمّعات، ألتزم الهدوء، أستمع وحسب. سندت رأسي على باب الغرفة، أرى غرفة الجلوس بأكملها أمام عيني، وأنظر لتيتة، ولورق النعناع الأخضر اليانع فوق تربيزة التلفاز ولشكل الأطباق الصيني التي تلمع ما زالت رغم مرور السنين ولوجوه النساء اللواتي تهافتن على المنزل للإطمئنان عليها، وأقول في نفسي: كان يجب عليّ أن أهديَ زرعاتي لجدتي، " كانوا هيعيشوا ".

-


12/ 365

إذا كنت من متابعي هذه المدونة المتواضعة فهذا الهاشتاج لك، إذا رغبت في مشاركتها أو التعليق عليها أو نقدها، فالمساحة لك:
#365يوم_كتابة

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا