20: أولّ عالم افتراضي: الذكريات
بمناسبة الموجة الحارة
التي كان ومازال سكّان القاهرة هم ضحاياها الأكثر مأساوية، تذكّرت يومين في الصيف الماضي.
أتعلم هذه المرحلة التي تصل فيها الذكريات للحد الذي تنشط فيه حواسك جميعها، الشمّ واللمس والتذوّق! وتعيشها كأنك حبيس واقع ما، أنتّ تعيش كل تفاصيل هذه الذكرى، كل ما رأيته وكل ما كان لك سيعود لك ثانيةً، بينما أنتَ جليس غرفة المعيشة، تداعب وجهك نفحات الهواء الكاذبة القادمة من المروحة.
أملك من تلك الذكريات عدداً بسيطاً " بس يمشّي حاله" وحالي، ولأنني رغبت في السفر بعيداً عن مدينتنا، كنا نخطط لزيارة دهب أنا والأصدقاء، ثم طرأ على الأمر تفاصيل لا تريدون الخوض فيها، المهم، لا دهب " ولا يحزنون ".
أين سنذهب؟! حفلات القلعة بدأت في القاهرة، غالية بن علي وعلي الحجار ومدحت صالح، جميل، سنذهب إلى القاهرة ، يومان؟ وقد يزيدون، لم يزيدوا. أين سنبيت؟ عند صديقتنا مريم، إذاَ، حقيبتك على ظهرك وتذكرة السوبر جيت في يدك، وهيا بنا.
ذهبنا محبطين، لا توقعات، كنا نحاول الهروب بأجسادنا على الأقل طالما لن نستطيع الهروب بأرواحنا لمكان بعيد تماماً عن المدن بناسها وضوضائها.
لهذه الرحلة أثر حقيقيّ على تصديقي التام لجملة : " محدش عارف الخير فين " لأنني - صدقاً - عشت سعادة لا أتذكر أنني عايشت مثلها في العشر سنين الأخيرة. هل كنت سأعايش مثلها في دهب؟ لا أعلم ولا يمكنني البتّ في هذا الأمر، لكن يكفيني أنني عايشت سعادةً في القاهرة، هذه المدينة التي لا تشبه السعادة.
بالعودة لهذين اليومين، بشكل سريع، قهوة جميلة، تمشية، ضحك كثير، كشري، لم تتقبله أمعاء أحد، تمشية، برج القاهرة، انتظار في صف طويل أطول من تلك التي تراها في المصالح الحكومية، نكات سخيفة لكنّها مضحكة، انتظار مستمرّ، تغيير في الخطط في آخر دقيقة، أدرنا ظهرنا للبرج، وصلنا القلعة، غالية بن علي البوهيمية البدوية الجميلة، حالة أشبه بالسفر عبر الموسيقى، حرّ أغسطس، سعادة لا نعي حجمها بعد، تعب بعد سفر يومٍ طويل، نغادر؟ غادرنا، بيت مريم، عشاء دافىء مصنوع بكل حبّ، نكات سخيفة للغاية لكنّها مضحكة، طاقة تحاول جاهدة أن تستمر حتى آخر نفس، إرهاق، نغفو ونعود، نستسلم أخيراً.
في اليوم التالي، كان الإستيقاظ صعباً، ينتظرنا صديقنا تحت شمس القاهرة الحارقة، فطور، ومشاريب على القهوة، ضحك كثير، البرج ثانية، فعلناها أخيراً، الكثير من الصور والفيديوهات، نكات سخيفة مجدداً، طفولة تامّة، قذفنا كرة مطاطية من أعلى نقطة وشاهدناها ترتطم بالأرض، نيل؟ فلوكة في النيل، غناء من عمق عمق القلب، شمس تودّعنا، رِجل تكاد أن تكسر، دموع، لنغادر الآن، تاكسي لموقف عبّود الذي أكرهه، ميكروباص متجّه لدمياط، طريق لم نشعر بطوله لأنّ الصحبة كانت رقيقة وأكثر جمالاً.
لمَ تبدو لي الذكريات كأنها أول شكلٍ من أشكال العوالم الإفتراضية ومنها نشأت الفكرة، لأنه من الغريب برأيي أن أكون الآن في مقهى، صوت شيرين في الخلفية، لكنني فعليّاً في القاهرة أستمع لصوت غالية بن علي، وبي من الحنين ما يكفي هذا العالم وعوالم أخرى. عالم افتراضيّ؟ أدري.
-
20/365
تعليقات
إرسال تعليق