22: مجردُ خيال آخر : غرفتي السريّة

ما زلت أبحث عن الفرصة التي ستتيح لي أن أنشئ غرفتي كمساحة تشبهني تماماً.

كنت أحلم أنا وصديقتي البارحة، أحلام يقظة مشروعة، نتخيّل فيها ما يمكن أن تكون غرفتانا عليه، ولأنني أحبّ الشبابيك الطويلة التي تشبه تلك التي في الأسكندرية، رحت أتخيل غرفتي بشبابيك زجاجية بطول الحائط، يغزو المشهد أمامي اللون الأخضر الزاهي المدمج بالداكن، سأحبّ أن تتوسطهم بحيرة ساكنة، وأصواتٌ بعيدةٌ تشبه صوت الحياة، زقزقةٌ كانت أو خرير ماء، لا يهم!
الغرفة معشّقة بالكتب المرصوصة على أرفف المكتبة التي تغطي لون الحيطان حتى كده أن أنسى دهانها أصلاً، ستكون إضاءَتها صفراء ودافئة، على الحائط لوحٌ لأصدقائي الفنانين المشهورين جداً، هناك لوحةٌ لآية هنا، ولوحة لحسام هناك، وهذه لوحة لفنانةٍ لا أعرفها اسمها رنا حمدان." الغربة " هذا اسم اللوحة؛ رجل برموش طويلة وبديعة، يقضم من جسده غراب أسود، ألوانها نارية وصادقة.
في درج مكتبي أحتفظ بالكثير من تذاكر القطارات والطائرات والباصات والمترو، هناك تذكرة صغيرة اختفت أغلب تفاصيلها، تذكرة ترام الاسكندرية، أقرر أن أعلقها وسط لوحة مكتظّة بأشياء لا ترتبط بشكل مباشر لكنّها ترتبط في قلبي. أوراقي التي تشهد على اعترافاتي جميعها، لا شيء مهم، لكنني سأعاملها كأنها اعترافاتٌ محفوظة في أمن الدول حتى يبدو الأمر سرياً.
دفتر TEDx المحمّل بالصور جميعها، والتعليقات الصغيرة، والرسائل الطويلة، التي اختفى معظمها لأنّ صدقها تعِب من الصمود بمفرده.

كرسيّ هزاز معلّق في سقف الغرفة كأنني في قلب بالي مثلاً، فطور لا يحتوي فزلكاتِ غربيةٍ لكنّه شهيّ، إصيص زرعة النعناع خاصتي، وإصيص آخر لصبّار يزهر الورود الصغيرة، تماماً كتلك التي تزهر في قلبي. جرامافون لا يعزف سوى موسيقى الجاز وأم كلثوم في كل حفلاتها الأصلية، أرضية خشبية تأزّ موسيقى كلما خطتها قدماي، أدعو بعض أصدقائي كلما غالبتني أفكاري، أنصرف عنهم كلما غالبني قلبي، أدعُ زياد ابن أختي بمفرده، لأقرأ عليه قصصاً جميلة علّه يكفّ عن حركته المجنونة، وأخفي عنه كل فازات الورد المجفف خاصتي على أمل ألا يكسرها، ووردة من نورهان جففتها وطويتها في كتابي الذي أقرأ فيه الآن.

أكتب كتابي الذي وعدتك به، أنتَ شخصيته الرئيسة، لكنّك لست رئيسياً فيه، أحاول أن أتملص من تدفقّك الدائم في كتاباتي، لا يجب أن يكون القلم فضّاحاً لهذا الحدّ! ولأنّ كل الأمور تمرّ عداك، كتبت كتابي الأول وعندي أرق دائم من تواجدك حوله أو فيه أو حتى أن تمرّ به عيناك، لكنني أريده أن يمرّ بداخلك وألا ينفلت منك أبداً. يبدو أنني مجنونة أحيانا!

لا، عندما تكون لي غرفتي الخاصة أريدك ألا تكون جزءاً منها، يجب أن أتخلى عن خفّة هذا الثقل في أوكسيجيني المحيط، يصبح التنفس جميلاً بك لكنه مؤلم على حد سواء. يجب أن يكون كتابي حراً منك، وأن تكون كاتبته متخمةٌ بوحدتها عنك، لأن في الأمر إعجاز محزن، لكن الحمدلله كل الإعجازات لا تستوجب التفسير.


لمَ يصبح الخيال سبيل التحقيق الوحيد لهذه المتاهة الحالمة؟!

>>> يتبع

-

22/365

تعليقات


  1. لمَ يصبح الخيال سبيل التحقيق الوحيد لهذه المتاهة الحالمة؟!

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا