25: مابين حرفٍ وصوتْ

كيف للمراسلة - أو ما يسمى بالـ texting- أن تسافر بك حول العالم في بضع كلمات، ثمّ إذا اختفت تركتك وحيداً أمام ملجىء مشاعرك اليتيمة!

لم أكُن من محبي المراسلة -رغم أن الكلمات مساحتي الآمنة- إلا أنني بتّ أفضلها مؤخراً. تمّكنك الحروف من العودة لها كأنّها أصبحت ميثاقك الآمن وجزء من كتاب تاريخك الشخصي، بينما المقابلات والمحادثات الصوتية تختفي في اللحظة التي تزيل فيها سماعاتك أو تُنزل فيها تليفونك المحمول لتغلق الخطّ.

عندما أفكّر في كل المرات التي تحادثت فيها مع من أحبهم، مهما بلغ طول المحادثة، فإنّ المحبّة لها صوتٌ مميز، صوت لا يشبه الشخص الذي تهاتفه لكنها منه، صوتٌ يمكنك أن تعرف من خلاله ما الحزن وما القلق وما الحب الخفيّ. لكن العودة إليه مستحيلة، إلا لو كنت مهووساً كفاية بتسجيل كل محادَثاتك الهاتفية مثلاً!

أما عن المثيرة للجدل: المراسلات، ففي الأمر لعنةٌ قدر النعمة، فإن تمكّنت يوماً الهروب من حبّ قديم، فإن العهد بينكم سيظلّ يلاحقكم ما بقيتم، أو ما دمتم هُزمتهم من محاولاتكم للتخلّص منه. عهدٌ يذكّركم بتلك الليالي الساذجة والأحلام المراهقة. في الأصواتِ أيضاً عهود، لكنّها تُنسى.

أنا عن نعَمها، فهي لا تحتاج منك أن ترفع سماعة الهاتف في الخامسة فجراً لتخبر أحدهم أنك - للأسف- اشتقتَ له، يمكنك فحسب تصفّح رسائلكما القديمة حتى الشعور التام بالذنب فالتعب فالنوم.
ولأنّ الشوق يفتك بكَ أحياناً، تبحث يائساً عن أي مسّكن يمكنه أن يهدّىء نارك المتأججة وبراكينك الثائرة القادرة على تدمير كل ما بناه ثباتك المُدّعى وسيطرتك المتزعزة، فتجد في المراسلات القديمة قطارك السريع للهروب من مسافات الشوق اللامنتهية.


لكن، رغم كل هذا، ورغم تقبّلي الحديث لنعمة المراسلات، إلا أنني سأظل أسعى أكثر لأنّ تتلاقى العيون، وتتعالى الضحكات لأراها، للضحكات هيئة آسرة، سأظلّ أسعى لأن تتلامس الأصابع وتربّت الأيدي على الأكتاف وتتشارك الملاعق صحناً واحداً. لا أتخلّى عن تقاسم الحزن بالعيون، عن تبادل أمنياتٍ تسقط رمشاً على الخدود، ومهما بلغت خفّة الكلماتِ، فلن تبلغ خفّة الروح.

-

في تدوينة اليوم تأخير مُبرر، أتشعر أحياناً أن وقتاً مقدسّاً وثميناً قد يضيع منك ولا يعود أبداً؟! أردتُ فقط لهذا الوقت أن يكون كما هو، مُقدّساً، وأن يُعامل بقدر قدسيّته فحسب. فتقبّلوا تأخيري

-

25/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا