26: "اللص والكلاب" وبعض الأحلام..

أرتاح لتلك اللحظات التي أجلس فيها خالية الوفاض تماماً أمام شاشة الحاسوب، أفكر وأفكّر فيما سأكتب، فلا أجد شيئاً، خالية تماماً، لأن ذلك يعني أمراً واحداً، أن يومي كان هادئاً وفارغاً وعقلي كذلك. لحظاتٌ كتلك معدودة الزيارات كالسنة الكبيسة.

https://www.youtube.com/watch?v=D4zTS5aVN4g&t=2421s

ولأنني حريصة على أن تعيش معي، أحبّ أن أبعث لك بالحالة كما هي لا تغييرٌ فيها ولا إضافات؛ فأنا أكتب الآن، أسمع الستّ أم كلثوم وهي تقول " زرعت في ظلّ ودادي غصن الأمل وإنتَ رويته ، وكل شيء في الدنيا دي وافق هواك أنا حبيته "، فإن أردت للحالة هذه أن تصبح حالتك، استمع معي واستمتع بالستّ.

المهم، بدأت بقراءة " اللص والكلاب " لنجيب محفوظ، وقد أوشكت على الإنتهاء منها، وفي نحيب محفوظ متعة غير اعتيادية، إنّه مُشبع بالعربيّة، وهي حبيبته الأولى. وكوني مسافرة الآن على رحلة المتعة اللا إعتيادية لنجيب محفوظ، أخذني مقطع في الرواية:

" مسح الشيخ على لحيته وقال:
- أنتَ تعيس جداً يا بنيّ !
فتساءَل في قلق:
- لمه ؟
- نمتَ نوماً طويلاً ولكنّك لا تعرف الرّاحة، كطفل ملقى تحت نار الشمس، وقلبك المحترق يحنّ إلى الظلّ ولكن يمعن في السير تحت قذائف الشمس، ألم تتعلم المشي بعد؟!
فقال سعيد وهو يدعك عينيه اللوزيّتين المحمرتين :
-فكرة مزعجة أن يراك الآخرون وأنت نائم..
فقال الشيخ بلا اكتراث:
- من غاب عن الأشياء غابت الأشياء عنه.. "

" نمتَ نوماً طويلاً لكنّك لا تعرف الراحة " هي حكايةٌ من ستّ كلمات، تشبه حياتنا كثيراً، فيها من هروبنا ما يكفي لإيصالك إلى الصين على قدمين. وأغرب ما في النوم أنك لن تكتفي منه ولن تستطيع الإكتفاء عنه، وأنّه وإن بدا سبيلك للهروب، فهو ليس إلّا غياباً مؤقتاً عن الأشياء لتغيب عنك، فهل تغيب عنك؟

إنه " الموتة الصغرى " التي ستبعث بعدها لتجد نفسك على سريرك، ملتفّاً بلحافك الدافىء - إن كنت من المحظوظين لتحصل على رفاهيّات كتلك-. لأنّ آخرين استيقظوا ليجدوا أنفسهم في عمق البحر، ماذا حدث وأين أحبّاؤهم؟ لا يتذكّرون شيئاً، بُعثوا مرة ثانية دون أن يختاروا البعث! وهناك من أبصروا في مشهدهم الأول بعد البعث الصغير، أقدام المارّة وعجلات السيارات وفتات الخبز الجاف، وهناك من استيقظوا في السابعة صباحاً ليدركوا - إدراكاً يومياً مكرراً- أن صباحهم يتشاركه أطفال آخرين وأسرّة أخرى ومحاولات جديدة للحصول على عائلة وبيتٍ. افتح عينيكَ، ماذا ترى انتَ؟!

وعندما أفكّر في النوم، يضيق صدري بفكرة الأحلام، لم أفضلها ولم تفضّلني يوماً، فكانت جميعها مبعثرة وعشوائية. أما أحلام اليقظة فكانت خيالاً يمكن السيطرة عليه، أتحكّم بها وأستدعي فيها من أريد وما أريد، ولأنها سبيلي الوحيد لأن أراك كنت أستدعيك وأسافر معك ونلفّ الدنيا، لا أعباء ولا خسارات محتملة، لنا بيتٌ بعيد، ككل البيوت التي أتخيلها، لأنها البيوت التي أحبّ! 

أما ما لا أكوّنه بخيالي الحرّ فيبدو بشعاً، تماماً كما في الأحلام، فأفاجؤ بي تجرّني أحلامي خائفةً وباكيةً ثم تطير بي لحيث أتابع ركضي المستمر لغابة مظلمة وأنا أصرخ لينقذني أحد، لكن لا صوت لي، ولا شيء يوقفني.

أعني، ماذا إِنْ كان النوم هروباً لكن الأحلام ضابط شرطة يشهر مسدساً إلى رأسك! هل يعدّ هذا هروباً حقاً؟ فاستيقظ.
-

26/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا