28: حكاية: صبّاراتي الصغيرات

صبّارتي المزهرة في يومها الأول

متى يجب عليكَ التوقف؟ إنّ هذا السؤال لا يقلّ صعوبةً عن أين ومتى وكيف يمكنك البدء.

منذ ثلاثة شهور، اشتريتُ صبّارتين من سوق الجمعة في خورفكان، ولمن لا يعرفون خورفكان فهي مدينة جبلية في  الشمال الشرقيّ لدولة الإمارات، ويتميّز سوق الجمعة بشعبّيته وجمال موقعه الذي يتوسط مشهداً مهيباً من الجبال والشمس الحارقة في الصيف الطيّبة جداً ف الشتاء، وفي هذا المكان أجد جزءاً من روحي التائهة، تخيّل معي سوق على امتداد ثلاثة كيلومترات تقريباً أو أكثر بقليل، على طول جانبيه محلّات تبيع السجاد، فواكه تأخذ الأنظار من زهوّ لونها، مانجا تسمّى الـ -هامبا - عليها توابل حارّة تتلذذ بها حتى آخر قطعة فيها، مفروشات وأدوات للمنزل، نباتاتٌ منزلية وزرعات للديكور، محلّات تبيع الطعام الشعبيّ، لقيمات وهريس وبلالبيط، أحبّ هذا المكان.

عندما توقّفت أمام الصبارتين هاتين، قلت في نفسي: تشبهانني. فاشتريتهما، وأردتُ أن أغدق محبّتي عليهما يوميّاً، فسألت البائع: 

- متى أسقيهم ؟ 

فردّ:

-- اسقيهم كل عشرة أيام.

وددت لصاحب المشتل هذا أن يحيا في عقلي، فيخبرني متى أسقيكَ لتنمو محبّتنا ومتى أتوّقف حتى لا نموت معاً، وددت لو كان هناك آلية أو رموز تُحفظ لتسهّل عملية الريّ في الحياة، إن لم يخبرني هو أنّ الصبار يموت بالإفراطِ لكنت أغدقته ووقعنا في الفخّ معاً، وعلى العكس سيكون هناك نباتاتٌ أخرى تتلهفّ للماء يومياً سوى الصبّار، نباتاتٌ ستشبه قلوباٌ عطشى كقلبي.

سافرتُ وتركت صبّاراتي لأمي،ونسيتً أن أخبرها كيف ترويهما، فأخبرتني بكل ثقة كأنها تزرع الصبّار من سنين رغم أنها لم تزرعه أبداً عندما سألتها عنهما:

- متقلقيش بسقيهم كل عشر أيام تقريباً كده 

- ماما مين قاللك إنّ لازم ترويهم كده؟

- عرفت لوحدي، ما الصبّار ميحبش الميّة الكتير.

كيف لكِ أن تعرفي دون إرشاد! وأنا أحتاج لكتاب تعليميّ رغم أنني أدرك هذه الحقيقة : الصبّار مبيحبش المية. كان يجب أو أولد بكتابٍ إرشاديّ كهذا يا أمي.

في اللحظة التي ناولني فيها الصبّارات كدت أن أقول له: انظر إليّ يا صاحب المشتل وأخبرني متى يجب عليّ التوقف؟ متى يجب عليّ أن ألتفت لأهمية أن يحيا الصبار فحسب، لا يهمّ من يسقيه، لا يهم ما يسقيه، المهم أن يحيا ويزهر، حتى وإن لم يحيا ويزهر في إصّيصاتي. المهم ألّا يموت الصبّار وفقط.

-

28/365