2: الفشل: أن تكونَ ثاني إثنين وليس أولهما
ألا تكون الأول، فذلك يعني أنّك الثاني، وحسب.
عزيزي القارىء
هل مرّ بخاطرك هذا التساؤل من قبل: لم لستُ اختيار أحدهم الأول؟ لم لستُ اختيار أحد أصلاً؟
أرجو ألا يكون سؤالي قد ضللك لتظنّ أنني أملك إجابات لتلك الأسئلة. أنا لا أملك أي إجاباتٍ، أنا أملك الأسئلة فحسب، تمنحني أرقاً لطيفاً كل ليلة. تاخد شوية أرق؟
عندما كنت طفلة في المدرسة الابتدائية زُرع في فؤادي تنافسية غريبة لا أفهم متى بدأت وكيف، لكنها ظلّت تنمو حتى ابتلعتني. أتذكر تلك الأيام وأرغب صدقاً في أن أربّت على كتفي قائلة: " إهدي يا أسما، كفاية كده، بقيتِ بتنهجي وإنتِ نايمة! "
يجب أن أكون الاختيار الأول دائماً، فبطبيعة الحال لم أكن أقبل إلا أن أكون الأولى على الفصل، قد تعتريني المهانة دون ذلك، ثم الأولى بين أصدقائي لأصدقائي؛ في الصف الخامس لم أقبل كيف أن صديقة لي اختارت أخرى لتشاركني تجربة الصداقة ذاتها، ثم في الثانوية سرتُ نحو كبريائي أكثر، فرحت أركض لاهثة نحو أشياء لم أرغبها ولم ترغبني، لأكون الأولى، ولا حول ولا قوة الا بالله كنت، ٩٨.٥٪ من الهراء الصرف!
ثمّ، تدور الحياة و"فخّار يكسّر بعضه" -كما يقول أهل الشام- يبدأ في مشواره.
دخلت الجامعة،انقلبت الدنيا رأساً على عقب، لم يعرفني دكتور المادة ولا رئيس القسم ولا دكتور الكورس، وحرصت ألا يعرفني أحد منهم. حرصت ألا أزور مكتب الشؤون إلا في الأعياد، ولا أتذكر شكلاً لرئيس الكلية حتى.
يا نقطة الألوان داخل أنبوبتك، أنتِ في اللوحة البيضاء الواسعة وحدك، ستعرفين لونك الحقيقي الآن! ولونك " عادي"، ستندمجين بين الجميع وللجميع، سيبدّيك الرسّام لحظة ثم سينحّيكِ لأنه وجد لوناً أكثر جمالاً واستثنائية، " عادي"!
وبعد الجامعة، ظللت في مرحلة الـ "عادي "، والقلب أراد ما أراد ولم يرده ما أراد، لعلّها اللحظات التي صفعتني بهذا السؤال: " إذاً أنا اختيار من الأول؟ " فتجد الإجابة مهزوزة الكيان ومتخبطة القرار تُتأتىء بكلام غير مفهوم: " أ... مش يمكن إ... ولا أقولك! طب جايز!"
حتى أنني - في نسختي الجديدة الأكثر هدوءاً- بتّ لا أنجذب لنجوم الصفّ الأول في السينما وأجد في نفسي طمأنينة لنجوم الصفوف الأخرى، من يصنعون المشهد دون عناء النجومية المرهق.
أنا السيتار، ولستُ خشبة المسرح..
هي سكينةُ العثور على اللحظة التي أرست فيّ يقيني: " إن كنتَ الإختيار الثاني، فلا يعني ذلك أنك اللا أحد. وإن كنتَ كلَ شيء، فعلى الأغلب أنتَ اللاشيءَ".
-
رمضان كريم :)
-
2/ 365
واو
ردحذف