4: المصالح الحكومية: خاتم استغفارك اليوميّ.



يومٌ مليء للغاية، لكنني أشعر بالفراغ بداخلي. لا أعلم تماماً إن كان ما تسببّ بهذا الشعور هو تعاملاتي اليوم في المصالح الحكومية المصرية، أم أنّ هذا الفراغ حقيقيّ ولا يمتلؤ أبداً مهما امتلأ يومي!
وإِن كنتَ عزيزي القارئ " مش مصري " فأنتَ لا تملك أيّ فكرة عن ماهية المصالح الحكوميّة المصرية، لكن دعني أقدم لك صورة سريعة، ليست بالضرورة منصفة تماما، لكنّها واقعيّة وغير تعميمية على الإطلاق :
هناك عقد، بين أي مصلحة حكومية وبين الموظّف، ينصّ على أن يكون الموظّفّ ابن النكد الصرف وممثله وصديقه الشخّصي منذ اللحظة التي يبدأ فيها بترك "البقسماطة الدايبة" من يده والتعامل مع المواطن حتّى اللحظة التي تسبق معاد خروجه من دوامه الرسمي بدقائق، ولن أقول حتى اللحظة التي يتعامل فيها مع آخر مواطن، لأنه على الأغلب سيتلكؤ عن العمل أصلاً قبل معاد خروجه بساعة على أقل تقدير! إنّ هذا العقد يتجدد تلقائياً، بدون أي توقيعات أو أختام. يكفيك أن تكون خلف شبّاك زجاجيّ – معتقداً أنّك خلف أسوار المدينة الفاضلة-، حولك شخص يجلب لك الشاي ويقول لك: يا باشا.
هذه المدوّنة ستثير الشفقة صدقاً، لأنها ستبدو نابعةً من شخصٍ "يسبح في مياه البطيخ "، لكنّي لا أعتقد أن هذا الوصف دقيق، كل ما في الأمر أنني لا أنفكّ أن أسأل نفسي: لمّ يجب علينا أن نواجه هذا الهراء بشكل يوميّ؟ ولمَ يجب علينا أن نواجه عنجهيّة موظف الحكومة؟ ثم خلقه الضيق؟ ثم صوته العالي؟ ثمّ إصراره على أن يجعل معاملتك هذه أسوأ معاملةٍ في حياتك؟ ولمَ يجب علينا أن نقرأ آية الكرسي ونستغفر آلاف المرات حتى لا نفقد أعصابنا لنجد أنفسنا نهشّم زجاج الشبّاك فوق رؤوسهم مثلاً؟ أنا أعرف الإجابة، وأنتَ كذلك، بس " الحيطان ليها ودان ".
على العموم، أقول " شكراً " دائماً في نهاية كل معاملة مهما بلغت درجة سوئها، لمَ؟ ستعرف لاحقاً.
أحياناً أودّ لو أن بأمكاني العودة لأخبر البعض: " أنا مش شكراً " على الإطلاق. لحظات التفكير تلك تدور في رأسي وأنا في ممرات أيّ مصلحة حكوميّة مهما اختلفت درجة تعاملاتها، من أول المستشفيات مروراً بالنقابات والإدارات وحتى شؤون الطلبة والعاملين، حتى أصل إلى الشارع، فأمرّ بوجوه الجميع، وأشفق على موظف الحكومة، وعلى الدكتور المقيم، والتمريض، وعلى العاشقين الممسكين بأيدي بعضهم البعض في الخفاء، وعلى سائق الميكروباص في الشارع، وعلى النساء، وعلى القطط الجائعة هنا وهناك، وعلى الطفل الذي لم يتجاوز السادسة ويحمل الدنيا في عينيه، وعلى نفسي. وأتمتم: " شكراً وخلاص" .
-
4/ 365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا