44: وشمٌ باسمك: نظرةٌ شخصيّة

مِصرُ بلد حافل بالأحداث والدراما، مزعجةٌ ومضَطهَدةٌ ومضطَهِدةٌ وكثيرة الكلام واللغو وقليلة الأفعال والعفو، وتنسى، تَنسَى وتُنسى، وفيها الخوف والجبروت وكلُّ كلّ أنواع الحياة.

خارجها، هدوءٌ غريب، وتتساءل: أين "كلاكسات" السيارات؟ ولمَ في الجوّ رائحةٌ غير رائحة التراب؟ وأين المشاوير التي تُقضى على قدمين لا على إطاريين وهيكل حديدي! وتبحث في ذهنك عن بديل لكوب الشاي بالنعناع أمام شباك المطبخ المطلّ على مشهد الغروب الدافيء فلا تجد له بديلاً!

إنّ ارتباطي بمصر هو ارتباطٌ عاطفي في المستوى الأول، ارتباطٌ دفينٌ كارتباط درويش بفلسطين، سافر وهاجر وابتعد لكنّه ظلّ يكتب لها وظلّ يكتب عنها. وفي قراءةٍ قريبةٍ لمقال أحدث ضجّةً - أعتقد لارتباط فكرته بشريحة كبيرة من الشعب لا لجودة كتابته- كانت تتحدثُ فيه كاتبته عن السبب الذي منعها من محاولة السفر من مصر مجدداً، وأنّها ستظلّ ابنة هذه العشوائية المحببة إلى الأبد. ويمكنني أن أتفهّم مقاصدها ومبرراتها حتى وإن اضطرّها الوقت أن تخالف مكنون عاطفتها، أما وأنّ المكنون ذا لا يختفي ولا يختلف مهما تبدّلت الديّار.

سيبدو كلامي هذا إما وطنيّاً لمن يؤمنون بوطنية " الأيام دي" وإما ساذجاً لمن يحلمون بالهجرة وإما واقعياً للحائرين و إمّا تطييباً لجراح الخائفين وإمّا إشعالاً لندبات المغتربين، لكنّه في حقيقة الأمر شعورٌ لا اسم له ولا توصيف، هو شعورٌ ممتزجٌ بكمّ هائل من الأحداث للحدّ الذي يجعل الحديث عنه بشكل مقتضبٍ وغير وافٍ أمرٌ ظالمٌ وواهٍ.

لكلّ إنسان منّا رحلته، شكل الحياة التي يعلم - حتّى ولو سرّاً- هيئتها وماهيتها، يعلم ما الذي يُسعده وما الذي يسحب روحه وما الذي - وإن عاند الدنيا والمنطق والرأسمالية- سيظلّ سرّ نعيمه الأكبر.
لا تركض خلف أحلام الآخرين، لا تتشبّه بها، هناك حلمٌ لك، موشومٌ باسمك، ابحث عنه واتبعه. حتى وإن خانك أو خنته لزمن، عُد إليه، قد تُبدّي رغباتٍ قبله وتعلّي أموراً فوق شأنه، لكنّك، بعد كل هذا العبث ستلجأُ إليه كطفله الأخير الذي اعتاد الدلال لكن الدنيا صفعته بقسوة معتادة.

عُد، ثمةَ أشياء تنتظر.

-


44/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا