50: "العائشُ في الحقيقة" وارتباطي بالكتب

غافلني النوم ليلة البارحة وأنا أقرأُ لنجيب محفوظ روايته "العائشُ في الحقيقة". وهي روايةٌ مطعّمةٌ بالتاريخ الفرعونيّ القديم يحاول من خلالها أن يفهم طبيعة الملك أخناتون وحقيقته، هل كان ملكاً مُحباً ومُسالماً أم خادعاً متمرداً مخنّثاً. تستعرضُ الرواية شخصياتٌ ارتبطت بشكل مباشر بالملك أخناتون، ولكل شخصيّةٍ فصلٌ ورأيٌ منفرد.

لم أدرس تاريخ مصر الفرعونية ولم آخذ عنها إلا ما قرأتُ في الكتب والروايات، ولا أعلم تماماً دقّة التاريخ في " العائش في الحقيقة" لكن سيكفيني من التاريخ منها الأسماء الفرعونية وسيكولوجية العبادة حينذاك، آمون وآتون والإلـه الواحد. 
ولم أحبّ يوماً دراسة التاريخ نظراً لقلّة مصداقيته التي قاربت على العدم، لكنّ أحبّ أن أتخيّله حين يتلوه عليّ أحدهم أو أن أقرؤه ضمنيّاً في الكتب.

وبالحديث عن الكتب -التي أحبّها والتي لا أحبّها كذلك- أتساءلُ كيف يستطيع الآخرون تسليف كتبهم! أظنُّ أنني لم أكن قادرةً يوماً على التخلّي عن كتابٍ لي، باستثناء " قلوب صغيرة " لأنيس منصور الذي أهديته لصديقة العمر والذي أحنّ إليه بين الحين والآخر. 

وأحياناً أتخيلُ أنّ أحداً يطلب مني " مائة عامٍ من العزلة " لجابرييل غارسيا ماركيز وهو كتابٌ لم أستسغه على رغم محاولاتي الدائمة للوصول لعمق سطوره، ولكن حتى هذا الكتاب الذي يثور به العالم وأنأى عنه أنا، لو طلب أحدهم استلافه لترددتُ في الموافقة.

ولأنني أحبّ أن أُميّز السطور التي لامستني أو المقاطع التي حادثتني على مستوى شخصي أو الحوارات التي واجهتني مع نفسي كصفعة أو كلحظة وعيّ حقيقيّ وأستحي أحياناً أن يلاحظها أحد لم أستسهل تسليف الكتب يوماً. ثمّ ماذا سيحدثُ إنْ لم أسترد يوماً ملاحظتي تلك، ولم أستردّ كتابي العزيز! ارتباطي بكتبي مرتبطٌ بالروائح والأماكن والأشخاص وبالتواقيت التي فرغت فيها من قراءتهم. ارتباطي بهم متعدد الأبعاد حيث يصعّب هذا فكرة التخلي عنهم. كأنّهم أولادي.

كيف تستطيعون تقديم كتبكم وأنتم تعلمون على الأغلبَ أن مكانها الدافيء في المكتبة سيغدو فارغاً لفترةٍ طويلة وقد يغدو فارغاً إلى الأبد؟!

-


50/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا