51: عملة معدنية: " الجرأة "
" جريئة ". هكذا كان يتمّ شتمي دون شتيمة. وكنتُ أشعرُ بالمهانة عندما يقول لي أحد الأقارب " أنتِ جريئة " مع ضحكة سمجة، أو عُندما يصفُ أحدٌ من العائلةِ شخصيّتي فيكرر الكلمة ذاتها . حتى بتّ أشعر أن الكلمة مُعيبةً وليست مُهيبةً على الإطلاق.
لمَ انتابني حينها هذا الشعور بالإستصغار لكوني أنا!
في البداية، كانت الصفة تربكني، ثم تبلورت الصفة، و وتبلورت معها شخصيّتي، وفي المدرسة كانت الجرأة صفةٌ جيّدة، كانت مكسباً حقيقيّاً، بها حصلتُ على كل امتيازاتي التافهة في المدرسة، أما في الجامعة، كان تلك الصفة تبدو بذات الهيئة التي كنت أستشعرها في الصغر من الأقارب، كانت بذات الصوت مدموجةً بتلك النظرة، أنا أعرف تلك النظرة، نظرة الشتم دون شتيمة. وأدركتُ حينها، أو للدقة أدركتُ قبلها ببضع سنوات، أنّ الجرأة غالباً ليست صفةً حميدة على الإطلاق. في معاجم الشارع العربيّ هي مرادفٌ لـ : لسانها طويل، تردّ الصاع صاعين، تنفّذ أفكار مجنونة، وفي معاجم أكثر قدماً : قليلة الأدب.
أتذكّر أنني في فترةٍ ما من حياتي كلما لقّبني أحد بهذا اللقب شيّدتُ نظاماً دفاعياً فقط للدفاع عن نفسي وردّ الأفكار - المغلوطة - عنّي، اعتقدتُ أنه يجبُ عليّ أن أردّ عن نفسي مهانةً ما، لأثبتَ للآخرين أنني لستُ " جريئة ". كلُّ ما في الأمرِ أنني أملكُ صوتاً، ويرغبُ عقلي أن يفكر أبعد من حدود غرفتي، ومدينتي وبلادي. كلّ ما في الأمر أنني لم أكن طفلة خجولةً أستحي من أن أندفع مادّةً يدي لهذا أو ذاك، لم أتوانى عن طرح الأسئلة كلما جهلت الإجابة، لم أتقهقر عن التصريح بما يزعجني وما لا أحبّه. لم أتوّقف عن كوني نسخةً غير مشابهةٍ لما تقولبَ فيه الآخرون. هكذا خلقتُ وهكذا سأبقى.
أتذكّر أنني في فترةٍ ما من حياتي كلما لقّبني أحد بهذا اللقب شيّدتُ نظاماً دفاعياً فقط للدفاع عن نفسي وردّ الأفكار - المغلوطة - عنّي، اعتقدتُ أنه يجبُ عليّ أن أردّ عن نفسي مهانةً ما، لأثبتَ للآخرين أنني لستُ " جريئة ". كلُّ ما في الأمرِ أنني أملكُ صوتاً، ويرغبُ عقلي أن يفكر أبعد من حدود غرفتي، ومدينتي وبلادي. كلّ ما في الأمر أنني لم أكن طفلة خجولةً أستحي من أن أندفع مادّةً يدي لهذا أو ذاك، لم أتوانى عن طرح الأسئلة كلما جهلت الإجابة، لم أتقهقر عن التصريح بما يزعجني وما لا أحبّه. لم أتوّقف عن كوني نسخةً غير مشابهةٍ لما تقولبَ فيه الآخرون. هكذا خلقتُ وهكذا سأبقى.
أنا الجريئة إذاً، مرّت الحياة واختبرت معها جرأتي في مطحنة المواقف، فتفتّت وخفّ بريقها، وغدا صوتي الملعلع هادئاً وكلماتي الثاقبة محسوبةً واندفاعي على الناس بالاتجاه المعاكس، فانتهى بي الحال نحو غرفتي. هل يعني ذلك أنّ تلك " الجريئة " الصغيرة انغمرت تحت أطنان من الطين؟ لا. لم تزل حيّة تتنفس داخل جسدي الهاديء - نسبياً -، لكنّ الطفولة المندفعة الشعثاء نامت على سريرها واستيقظ بعدها نضج الكِبار.
" جريئة "، لم يعد يؤذيني الوصف مطلقاً، ولم أعد أعبؤ بمن وصفه ومن قاله ومن نفاه، هذه أنا. هكذا كنت وهكذا سأبقى. وأعتقدُ الآن أنها صفةٌ طيّبة، صفةٌ تُشبهني، صفةٌ ليست من المهانة في شئ.
-
وهذا تسجيل صوتيّ لمن أراد الإستماع لتدوينة " لغة برايل ":
https://soundcloud.com/asmaa-elsherbiny/z3y1fioh8bld
ليلةٌ هانئة ..
-
51/365
" جريئة "، لم يعد يؤذيني الوصف مطلقاً، ولم أعد أعبؤ بمن وصفه ومن قاله ومن نفاه، هذه أنا. هكذا كنت وهكذا سأبقى. وأعتقدُ الآن أنها صفةٌ طيّبة، صفةٌ تُشبهني، صفةٌ ليست من المهانة في شئ.
-
وهذا تسجيل صوتيّ لمن أراد الإستماع لتدوينة " لغة برايل ":
https://soundcloud.com/asmaa-elsherbiny/z3y1fioh8bld
ليلةٌ هانئة ..
-
51/365
تعليقات
إرسال تعليق