32: ساعة الرمل في مواجهة الميزان..
وأنا أتابع البارحة استطلاع هلال العيد، خطرت ببالي فكرة لا علاقة لها بكل هذا:
لمَ يعطي الله هؤلاء الذين يزهدون الحياة ويتمنون الموت، حساسية مفرطة للوقت، ويأخذ مِن من يستيقطون على حبّ الحياة نعمة الوقت فتركض الدنيا بهم؟
دعوني أوضح لكم الفكرة أكثر..
هناك أشخاص يتعاملون مع الحياة بشكل يوميّ على أنّها لعبة إلكترونية، وفي نهاية كل يوم، مع كلمة Game over - انتهت اللعبة - يودّون صدقاً لو تكون تلك المرّة الأخيرة، وأن يكون هذا دورهم الأخير، لكنّهم يُفاجؤون كل صباح أن حيواتاً في رصيدهم قد أنقذتهم وجعلتهم مؤهلين لعيش لعبة ثانية، ويوم ثانٍ.
ومع كل هذا الرفض للحياة، يكون الوقت ذا أهميّة عظمى لديهم! لماذا تعبؤون بالوقت إن كان لا يعنيكم على كل الأحوال؟!
وعلى النقيض من هؤلاء، توجد مجموعة من الناس، نشأت تتنفسّ الحياة كالنعناع الأخضر، لا تميل في العيش إلا لصورته الزاهية وجماله المستتر خلف أسوار ضخمة من الحزن. إنّهم أناس يشبهون الحياة في أوروبا وليسوا بالضرورة من سكّانها، وتجدهم رغم كل هذا السعي والإقبال لا يقدّسون الوقت كسلفائهم!
لا طالما أخافتني ساعة الرمل، مشاهدتها كانت تُحيي فيّ إحساساً غائماً بأن ممتلكاتٍ تُفلتُ منّي وأنّ مشاعراً تتسرب من بين أصابعي وأن رمال عمري كلمةٌ تُنطق، ولا يمكن العودة عنها أبداً.
ورغم كل هذا لم أحضر يوماً في المعاد ولستُ ذكية في إدارة الوقت ولا أستطيع تقييم الوقت الصحيح الذي سيحتاجه العمل الذي أقوم به، تماماً كالمدونّة التي تقرؤونها الآن! "ساعتين بعد المعاد "
لذا، كيف يعيش هؤلاء الناقمون على الحياة وهم يعدّون الدقائق والثواني، وكيف يموت هؤلاء المقبلون وهم مأخذون بالساعات والأيام حتى أنّهم لا يعبؤون في أيّ يومٍ هم! هل يبدو ذلك توزيعاً غير عادل برأيك؟!
برأيي أنا، هناك خيطٌ ضعيفٌ لكنّه موجود، صوتٌ بعيد لكنّه ينادي، بداخل كل من كرهوا الحياة ورغبوا أن يضعوا حداً لها، وأن Game over التي تمنّوها يمكنْ أن يزحزح ثُقلها أشياء صادقةٌ ودافئة، وأنّ وقتهم الثمين هذا -إن لم يكن رغبةً خفيةً في البقاء- فإنما هو على الأقل تقديس لما تبقى لهم قبل انتهاء اللعبة، هو العيش الكامل التامّ والمحاربة الجسورة التي تجعل من هؤلاء أبطال حرب منهكين، وأبطال وقت.
وأمّا على الطرف الآخر فالوقت المهدر هو سعادة خفيفة لا وقت ضائع، وأنّ العمر وإن غفّل هؤلاء المتأخرين دوماً عن مواعيدهم، فقد أهداهم حياة لا ثُقل فيها ولا ضيقاً، وأن الوقت حتى وإن لم يكن رفيقهم الأول، فقد رافقهم طوال الرحلة ككتابٍ على الرفّ.
هؤلاء وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة النهاية، بدون أرقٍ ولا خوف، هؤلاء أبطال الخفّة.
توزيع عادل؟ أظنّ ذلك.
-
كمشاركة دافئة لصباح العيد، أودّ لو تشاركوني صور الكعك والبسكويت ومشروبكم المفضّل، عن نفسي سأنقضّ في أحضان الكفايين لا شكّ، واستخدموا هاشتاج #365يوم_كتابة على مواقع التواصل الإجتماعي. سأحبّ أن نتشارك صباحات العيد المملة الجميلة.. عيدكم سعيد
-
32/365
تعليقات
إرسال تعليق