34: الأحلام: نباتُ الدوم

شاهدت مهرجاناً بوليودياً يسبح في الألوان والرقصات والمبالغة، لكنّ شيئاً خفيّاً في الهنود -على رغم كل ڤنتازيتهم الرديئة- يجعلهم مبهجون ومليئون بالحياة.

و خلال الحفل، فاز ممثّل يبدو في أواسط الأربعينيات، بجائزة أفضل ممثل ثانويّ، وعندما اعتلى المسرح قال:
" شكراً لقصاصاتِ المجلات وبوسترات الأفلام التي ظللتُ أعلقها على جدران غرفتي طوال حياتي، ها أنا أعيش فيهم الآن. شكراً لأمي وأبي اللذان رفضا أن أبقى مجرد موظّف حكوميّ وتركاني أمارس حلمي كما أردتُ له أن يكون".
وتذّكرتُ فجأةً مشهد محمد صلاح وهو يرفع كأس دوري أبطال أوروبا، هذا الشابّ البسيط القويّ يرفع يديه ليقضم من تفاحِ الجنّة. شيءٌ هائل!

ورحتُ أتخيّل لحظة التتويج تلك، ولأنّ الأحلام كلها ليست ذات صيتٍ ورفعة ككرة القدم والتمثيل، لكنّها ذات شأن في قلب مريديها، وهذه تماماً لحظة التتويج التي سرحتُ فيها. أقول في نفسي: هل تساعد البوسترات والقصاصات والتذكارات المعلقة على حائط غرفتك على شيء؟ هل يدفعك الحلم بمفرده؟ هل تخبز يدا أهلك عجينة طموحك وأحلامك؟

والأحلام على ما يبدو خدعةٌ بسيطة، أعني لا تقدم أي ضمانات للسعادة ولا لحتميّة الوصول، لكنّها تظلّ أحلاماً نأنس بها ونسعى لها حتى نصل لتلك اللحظة التي نستلم فيها جائزةً على ما أنجزناه، جائزة ليست بالضرورة تمثال ولا مال ولا تكريم.
إنّها جائزة تَجدد الحياة في الإنسان ورفع إيمانه بنفسه حتى يظنّ أنه سيهزم المستحيل. لكنّ المستحيل لا يُهزم لذا سُمّي مُستحيلاً!

هذا الممثل الذي فاز بجائزته واحدٌ، يقابله في الكفّة الأخرى آخرون لم يداعبهم النصيب بذات النعومة، علّقوا بوسترات وانضموا لورشٍ تعليمية وشاركوا وذهبوا وسعووا وواجهوا الأهل والأصدقاء واستقالوا من وظائفهم وركضوا وركضوا خلف أحلامهم ولكن، لم يصلوا. نصيب!

عندما شاركتكم تدوينة "ما بين توتنهام وليڤربول" ، وعن احتمالية الخسارة والمكسب المعرض لها كل من لاعبي الفرقتين، وأنهم على استعداد لمواجهة كلا الإحتمالين بكل شجاعة. هذه أحلامهم معرّضة لمواجهة النصيب! لم أكن أتوّقع أنني سأتحدث عنها مجدداً برؤوية ممثل ثانويّ بوليوديّ حاز على جائزة محليّة في مهرجانٍ ما.

أعلم أنها فكرة خشنة لا يسهّل عليك بلعها وتجاوزها لأنّها قاسية كالدُوم، فحاول أن تُحبّ الدوم أو توقف عن الحلم. 

-


34/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا