70: كم هي مسؤولية عظيمة أن تتنفّس!

كمْ هي مسؤولية عظيمة أن تتنفسّ!

إنْ اجتهدنا ما اجتهدنا لن نستطيع أن نمنع أنفسنا من الإنخراط في هذا العالم، وأننا وإن تصدّينا بكل قوّتنا لتلك الجاذبية العظيمة التي تشدّ أجسادنا تجاه البشر، تجاه الأرض وتجاه الحياة، فإننا لن نتمكن من النجاح في ذلك. قد نقرر أن نتخلى عن الحياة وجاذبيتها يوماً لكننا لن نتوقف عن الإندماج ما دمنا نحيا.

ما الفرق بين من مات بالسرطان وبين من مات في حادث وبين من مات بعد أن قرر أن ينهي حياته بمفرده وبكامل إرادته؟  بالنسبة لي جميعهم توقفت قلوبهم كنتيجة حتمية للمسبب مهما اختلف، كلهم رغبوا في الحياة يوماً، كلهم تخيّلوا مستقبلاً، حبيباً وأحلاماً تعنيهم. كلهم استشعروا مسؤولية أنّهم على قيد الحياة.

لكن مع وجود مليارات البشر، يمكنك أن تستصغر مسؤوليتك بينك وبين نفسك، أن تشعر أنك بلا حِمل على الإطلاق، كأنّك " كائنٌ لا تُحتمل خفّته "*، أن تساعد صراعات نفسك على الخفوت، أن تُخبرها أن الحياة لا تتطلب منّا أفعالاً مبهرة ولا جنونية، ولا إثباتات أو ضمانات، أننا نحيا لأننا خُلقنا، وأننا خُلقنا لكي نحيا.

لذا تخيّل عزيزي القارىء، إن قررنا أن مسؤولية التنفس العظيمة تلك هي مسؤوليتنا نحو الحياة، نحو السعادة، نحو البشر، هي مسؤوليتنا تجاه الدم الدافيء الذي يسري في عروقنا، تجاه القلب الذي يدقّ في صدرونا، تجاه كوب الشاي الحنون، وفنجان القهوة الذي يحارب التعب، تجاه بشريّتنا التي تنشأ بالبكاء، وتنمو بالدموع، وتتأنق بالضحكة، تجاه المطر وتجاه البحر وتجاه الكتب، تجاه الموسيقى والأفلام والصور، بدلاً من أن تكون مسؤولية مُثقلة، مُرهقة، و تُثني الظهر. فكمْ هي مسؤولية عظيمة أن تتنفسّ!

-
*: اسم رواية للكاتب ميلان كونديرا
-

70/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا