75: النسيانُ نعمة..

كيف لي أن أنسى إلى هذا الحدّ؟ أنسى كأنّ الذاكرة لم تَتعرّف عليك يوماً ولا الأصابع قد لامست أصابعك. كأنّك هالات وهلاوس، ولم تكن يوماً من لحمٍ ودمّ.

وأكاد أؤمن أنها نعمتي، مزادي وزادي الوحيد من الدنيا، أن أنسى كيف شعرت حينها وكيف طرت حتى لامستُ السما، أنسى كيف كان طعم لحظة النجاح، وكيف انقبض قلبي ألماً من شدة السعادة، أنسى. وأكتبُ الآن ولا أستطيع حتى أن أستحضر لحظةً قديمةً مرّت كنت أملك فيها شعوراً رائعاً، وأنسى. كأنّ النسيان نومٌ عميق نلجأ له للهروب من الألم والذكريات وطاحونة التفكير.

وأخشى، أنّ كثيرون سيمروّن تحت مقصلة النسيان خاصتي، يمكنني أن أرى رؤوساً تعلو فوق رؤوس، يمكنني أن أرى نهاياتٍ مُحزنة ومُخزية ولا تليق بكل هذا الحاضر العظيم، يمكنني أن أرى النسيان يأكل من لحم أناس يجلسون بجانبي الآن، يمكنني أن أرى في المستقبل أنهم نُسووا كأنّهم لم يكونوا يوماً.

أما عن الأسى فلا يُنسى، وإن تناسيتُه، فهو يحفرُ في الفؤاد بئراً، والآبار لا تموت، الآبار وإنْ جفّ ماؤها تتحدى الزمن ولا تموت. لأنّ الأسى عنيدٌ وصلبٌ ومُظلم، والظلمة تطول.

وأتساءل، هل هو معجزتي الطيّبة الرؤوفة أم مرضٌ قادم؟ لا أعرف! لكنّه نعمتي القارصة بلا شكّ.

-

75/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا