78: ابلع ريقك، ثمّة شيءٌ عالق في حنجرتك..

ثمّة حبّ عالق في الحنجرة، لا منّا لفظناه ولا منّا تحمّلنا مرارته، جنينٌ غير مكتمل أُجهض، قطعة من الدم المُتجلّط والأطراف الغير مكتملة، لكن قلباً صغيراً فُسيفسائياً ينبض فيه، حبٌّ كهذا يترك الإنسان في حزنٍ عميق عميق.

سيأتي عليك هؤلاء الواثقون، أصحاب الخطى المدروسة والممنهجة، يخبرونك بكل ثقة، أنّ ما تحاول تجاوزه في الأساس أمرٌ تافه، وما هو عالق في حلقك قد تزيحه جرعةٌ من الماء، ببساطة.
أشكّ في هؤلاء، أعني كان باستطاعتهم أن يسمعونا ويخبرونا أن لا بأس، وأننا سننسى، وأنّ باستطاعتنا أن نحاول، وأنّ ثمة احتمالية لأن نحيا، لكنّهم قرروا أن يقولوا الجملة الساذجة اللزجة: " ما إنت اللي عملت في نفسك كده". أشكّ فيهم لأنّهم على الأغلب لم يعيشوا.

لكن، لمَ أفكر في هؤلاء الآن! لأن هذا ما نفعله، نهرب للآخرين عسى أن يكون في أيديهم ترياق شافٍ، أو في كلامهم مداواةٌ حانية، نلجأ للآخرين لأنّهم ما لنا في نهاية الأمر، نحبّ أن نستمتع بحقيقة وجودهم وبنكراننا لفردية وجودنا، نحبّ أن نعتقد أن أحداً منهم سيرفعنا إن تهاوت أقدامنا، وأن أحداً منهم سيضمّنا إنْ استوحشت أضلاعنا، وأن أحداً منهم سيثقب أجسادنا إن ثقلت ليمرّ من خلالها الهواء. نحبّ أن نعتقد أننا لسنا بمفردنا.

لكن فيما وراء السِتار، تعود لغرفتك، فيهدأ صخب الحياة من حولك، وتدرك كم فارغٌ هو قلبك، وكمّ جافّ هو حلقك، وكم مستحيل عليك بلع ريقك وتحويل جنينك المُجهض لذكرى.

في الحياةِ أمور مُجهِدة..

-

78/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا