86: تدوينةٌ من الشارع، وللشارع..
في تدوينة البارحة حدّثتكم عن البيوت، والحكايا التي أختلقها كلما مررتُ بهم من شباك سيارة أو ميكروباص، لكن لم أحدّثكم بعد عن الناس، الذين أتمّعن في وجوههم كلما حملتني قدماي على المسير لمسافاتٍ طويلة، وأكثر ما أحبّ أن أتمشّى في الشتاء، يجعلني ذلك أن أنفّس عن طاقات مُحكمة الغلق بداخلي، أو عن حزن لم أعبّر عنه حتى اعتقدت أنه مات بينما دفن وهو حيّ. لكنني في أيام النسمات الباردة في الصيف، أثقُ في قدرتي على استكمال المسير، فأسير ما استطعت.
خلال نصف ساعةٍ من المشي المنتظم، وصوت ذكرى يغنّي ذكراها " وحياتي عندك، لو كان ليّا عندك خاطر" رأيتُ فتاة بحجم العُقلة، كانت صغيرة وطريفة وزاكية، لم تتجاوز الخامسة، تُمسك كيساً واحداً من السوبرماركت الذي على يميني، وفي كفها الأخرى جنيهات. كانت تحاول بكفها الممسكة بالكيس أن تعدّ ما تبقى لها وبين ما يجب أن يتبقى لها. كانت تسير لا مبالية بالطريق ولا بمن يمشي فيه حتى كدنا أن نصطدم. ظللتُ أقترب منها حتى انتحيتُ أنا في اللحظة الأخيرة لتُكمل مسيرها وهي تعدّ على أصابعها كما كنّا تعلّمنا في الإبتدائية، علّها تطمئن أن ما تملكه في يمينها هو الكمّ الصحيح، وعندما تعود للمنزل تُقبلها والدتها وتُثني عليها وأنها " هايلة في الرياضة". أو هكذا تخيّلت.
أخذني ذلك لجدّي عندما كان يُرسلني لشراء علبة سجائره، كنت أدقق النظر لما كان في يدي قبل أنزل، ثمْ بعد أن أشتري له علبته، وأتأكد باستخدام أصابعي وخاصية العدّ تلك أن القدر المتبقي من المال صحيح، حتى إن عُدت، قبّلني قبلته التي كنتُ أتمّلص منها لأنّ شاربه كان يزغزغ خدّي. قبلته هذي يشتهيها خدّي الآن، بكل الزغزغات والمضايقة، أتمنّى لواحدة منها أن تعود. أو أن يعود هو لإنني لم أشبع من قبلته.
-
86/365
تعليقات
إرسال تعليق