60: يتبع: أعمى الفؤاد في مواجهة الحبّ

هل كان الجميعُ مبصراً سواي؟ هل ما يدقّ بين أضلعي، قلبي أم قلب الآخرين؟ ولم رأت سوسن ما رآه أيمن ولم أره أنا؟! لماذا؟! أكاد أصاب بالجنون.

وما هيّج الجنون أكثر، كيف انزلقت سوسن من الذاكرة دون أيّة محفّزات، لم يحدث موقفٌ ما، ولم يستحثّ ذكراها طعام أو رائحة أو مكان تشاركاه، هكذا بدون إنذار، قفزت من بيتٍ مسكونٍ في الفؤاد، وعلى غير العادة، استقبلها عقل شريف بكل أريحيّة، بل ودافع عن إقامتها ولم يُزجها بعيداً.

رنّ جرس الباب، كان أيمن ممسكاً بكيس فيه طعام وشراب بيد، واليدُ الأخرى تعرض سيجارةً، بدا كأنّه سيلملم له أجزاءه المبعثرة وسيجعله يفهم ما الذي غاب عنه لسنين. جلسا على الأريكة، يتشاركان الهواء والطعام واللحظة، ثم قال أيمن متعجّباً:
" لماذا الآن؟ ثلاثُ سنوات من الغياب التامّ؟ ما الذي آلم الذاكرة إلى هذا الحدّ؟ "

ردّ كأنّه يردّ مَظلمة:
"لا شيء، لا شيء بتاتا! فجأة وجدتها مصوّرةً أمامي كأنّها شخصية في كتاب أو نسج من خيالي، لا أعرف تحديداً، لكنّها ظهرت."

" كلّمها .."
" لأقول؟ مرحباً سوسن، لقد اكتشفتُ اليوم أنني تركتك تنسابين من بين أصابعي كرمال متحركة، رغم أنك كنت صلصالاً لا يملّ، رغم أنكِ خضتِ كل الحروب مع كبريائك لتسبقيني ببضع خطواتٍ لأنك طالما مللتِ انتظاري، لكنني أعود اليوم لأخبركِ أنّني اكتشفت نفسي، واكتشفتُ أنّكِ كنتِ جزءاً منها طوال هذا الوقت، مضحك أليس كذلك؟ "
وبطابعه الهزلي ردّ:
" بصراحة، مضحكٌ للغاية "

لكنّه أكمل بعد أن ضحك بمفرده:
" لكنّه وإن كان مضحكاً، فهو فرصة لا بدّ منها لتمحو عن نفسك أنانيتك المفرطة، حتى وإنْ رمتك بعيداً عن مرمى بصرها الآن، فعلى الأغلب ستجد لك في قلبها مغفرةً لتزيح عن ذكراك بشاعة ترددك الدائم، على الأقلّ ستبدو شجاعاً للمرة الأولى في حياتك يا أخي!"

" ما كان في الماضي، لحسن ظني، انطوى مع الماضي يا أيمن. لا أريد أن أحيي في قلبها ألماً جديداً كذاك الذي أحيته في قلبي "
" شريف! الفتاة لا تعرف شيئاً عن آلامك المُستجدة ومشاكلك العاطفية، خد سيجارة وإنتَ ساكت، على الأغلب ستكون زوجة أحدهم أو أماً لطفل، أو حتى عزباء تعيش الدنيا بالطول والعرض، طول عمرها بتقول: أنا قطة بسبع أرواح "

وبعدها بساعة، غادر أيمن كمن أنقذ الكون من فيضانٍ جامح. وظلّ شريف فريسةً لأفكاره.

في تمام الثانية صباحاً، أمسك سمّاعة الهاتف:
" ألو.. سوسن.. أنا شريف .. "

فساد صمتٌ طويل..

>

-

60/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا