61: جوعٌ لا يسدّه طعام..
الناس، في بلاد الكونكريت والأسمنت، يدورون مع الطواحين الهوائية للرأسمالية، قد تمتلؤ جيوبهم لكنّ فراغاً مدوّياً على الأغلب سيتمركز في عمق الروح.
كلّما قرأتُ عن بغداد، مدينة السلام قبل حرب الّلاسلام التي شنّتها مدعية السلام الأولى في العالم، رحتُ أشعر بحجم وفداحة الفقدان. إنّ التاريخ يكتب عن الخسارات الثقافية والتاريخية والإنسانية كأنّها خسارة عملة معدنية في آلة بيع تلقائي، لذلك لا أحبّه، أحبّ أن أقرأ لكاتب يستحضر التاريخ في عمله، هكذا أفهم التاريخ، حين يمتزج بالمشاعر والنشيج والإنتصار. هكذا قرأتُ عن بغداد، وهكذا قرأتُ عن مصر، وهكذا قرأتُ عن البقيّة.
كلّما قرأتُ عن بغداد، مدينة السلام قبل حرب الّلاسلام التي شنّتها مدعية السلام الأولى في العالم، رحتُ أشعر بحجم وفداحة الفقدان. إنّ التاريخ يكتب عن الخسارات الثقافية والتاريخية والإنسانية كأنّها خسارة عملة معدنية في آلة بيع تلقائي، لذلك لا أحبّه، أحبّ أن أقرأ لكاتب يستحضر التاريخ في عمله، هكذا أفهم التاريخ، حين يمتزج بالمشاعر والنشيج والإنتصار. هكذا قرأتُ عن بغداد، وهكذا قرأتُ عن مصر، وهكذا قرأتُ عن البقيّة.
إنّ تدوينة اليوم ليست عن التاريخ، بل الفجوة الروحيّة التي ثقبتنا عندما غابت الثقافة والموسيقى وكل أشكال الفنّ الرقيق من شوارعنا ووجوهنا، إنّها عطش القلوب للسلام والإبداع والحريّة. إنّها اللحظة التي أدركنا فيها خوفنا من السير في شوارعٍ بعينها، أو دولٍ بعينها، أو من أسماءٍ بعينها.
إنّ انكبابنا الحاليّ واللهث خلف لقمة العيش لم يكن اختياراً لكنّه أنسانا حقيقتنا، أنسانا أننا نشأنا من الجمال، أننا كنا الجمال، وأننا صدّرنا الجمال، نحن غذينا الأرواح لسنين طوال، ثم ها نحن اليوم، نقف بمفردنا خلف أكوام هائلة من القمامة، ننظر من قبضةِ كيسٍ بلاستيكيّ للعالم الجميل المبهر، لا نحن استطعنا الوصول ولا نحنُ قادرين على التنفّس.
وكلّما مررتُ بلقاء يعرضُ تاريخ مصر الثقافيّ والحضاري، مخرجينها وفنانيها وموسيقيينها، أو مررتُ بقصيدة لنزار عن الشام، أو بقصيدة لدرويش عن فلسطين، أو قرأتُ لرضوى عاشور التي بقدرة عجائبية مدهشة تستحضر تاريخ مصر وفلسطين والأندلس بكل سلاسة من خلال أعمالها، أمرّ بكل هذا القدر من العظمة ثم أنظرُ حولي لأجد أنني في صحراء مقفرة، وإنْ بُنيت الكثير من العمارات الشاهقة وأُقيمت المدن الجديدة وأنشئت البحيرات الصناعية، ثمّة عالمٌ روحيّ، لا تُغذّيه الروبوتات، ولا تستبدله التكنولوجيا، جوعٌ لا يسدّه طعام. ثمّة غذاءٌ روحي لكل هؤلاء الجوعى. ثمّة عالم يا حبّذا لو يكون.
لذا فليقول التاريخ وقائعه الباردة، فـ "نحنُ لم نحلم بأكثر من حياةٍ كالحياة"
-
61/365
تعليقات
إرسال تعليق