64: " إزّاي تكون إنتَ وتكون عيون غيرك؟ "
" إزّاي تكون إنتَ وتكون عيون غيرك؟ "
مُعضلة يطرحها جمال بخيت من خلال أغنية فيلم "إسكندرية ليه؟" ويزيّن أطرافها صوت علي الحجار الذي يملك من الحنيّة والدفء ما يهدّىء روعي دائماً.
https://soundcloud.com/yara-yussef/ujfvgaie748z
وأريد أن أفكّر في الإجابة، لأنني لطالما فكّرت فيها عندما وقعت على مسامعي للمرة الأولى، وأشعر أن طرفاً من كينونتي تلامس مع مكنون هذه الجملة، كالتقاء طريقين عند نقطة في المنتصف. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، البارحة، كنت أحكي لصديقٍ عزيز للغايّة، كيف كنت " عيون غيري " طوال الوقت للحدّ الذي أفقدني نفسي وتوقفت عن " كوني أنا". وأهم ملامح هذا التحوّل الأحمق والناضج معاً: الصمت، ولأنني أصبحت أتميّز بالصمتْ عندما يجب عليّ الكلام، وبالغضب عندما يجبّ عليّ التزام الهدوء، أردكتُ أن قسوة عدم " كوني أنا " جعلتني ألجأُ للإختيار الأول لأنني لا أريدُ أن أُحزن أحداً، وأن ألجأ للإختيار الثاني لأنّ قلبي يسرّب طاقاته المكبوتة في أي لحظة ساذجة للهروب من المشاهد الكبيرة.
ومن واقع مجتمعنا، يمكنك أن تعرف كيف ينتهي الحال بمن حاولوا أن يكونوا عيون غيرهم، وأيديهم وألسنتهم، وصوت ضمائرهم، إمّا أنّهم تعفّنوا في السجون، أو على مِعاد مع أن يتعفّنوا فيها يوماً ما. ثمّة لعنةٌ تنتظرهم في بيوتٍ كثيرة، في بيوتٍ كانوا فيها قبلاً عيون أهلها وأيديهم وألسنتهم وصوت ضمائرهم، لكنّ البيوت تنسى، وأهلها ينسوون، ينسوون تلك اللحظة التي استصغر فيها الآخرون أرواحهم، ووضعوها على المحكّ لأجلهم، وتذكّروا أنفسهم فحسب، فماذا نالوا؟ أعني هؤلاء الذين كانوا شموعاً محترقة؟ ماذا نالوا سوى أنهم احترقوا وكانوا وقوداً للمحرقة!
لذا، أخبرني يا جمال بخيت، كيف؟ كيف يُمكن لي أن أكون أنا وأكون عيون غيري في اللحظة ذاتها، دون أن أتسبب لنفسي بالهلاك، ولا لأحزاني بالإنبطاح تحت سطوة الخوف من فقدان الآخرين، ولا أن أتسبب لعيني بخفوت الوهج ولا لوجهي بانغمار حماسته؟ أخبرني بربّك.
-
64/365
مُعضلة يطرحها جمال بخيت من خلال أغنية فيلم "إسكندرية ليه؟" ويزيّن أطرافها صوت علي الحجار الذي يملك من الحنيّة والدفء ما يهدّىء روعي دائماً.
https://soundcloud.com/yara-yussef/ujfvgaie748z
وأريد أن أفكّر في الإجابة، لأنني لطالما فكّرت فيها عندما وقعت على مسامعي للمرة الأولى، وأشعر أن طرفاً من كينونتي تلامس مع مكنون هذه الجملة، كالتقاء طريقين عند نقطة في المنتصف. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، البارحة، كنت أحكي لصديقٍ عزيز للغايّة، كيف كنت " عيون غيري " طوال الوقت للحدّ الذي أفقدني نفسي وتوقفت عن " كوني أنا". وأهم ملامح هذا التحوّل الأحمق والناضج معاً: الصمت، ولأنني أصبحت أتميّز بالصمتْ عندما يجب عليّ الكلام، وبالغضب عندما يجبّ عليّ التزام الهدوء، أردكتُ أن قسوة عدم " كوني أنا " جعلتني ألجأُ للإختيار الأول لأنني لا أريدُ أن أُحزن أحداً، وأن ألجأ للإختيار الثاني لأنّ قلبي يسرّب طاقاته المكبوتة في أي لحظة ساذجة للهروب من المشاهد الكبيرة.
ومن واقع مجتمعنا، يمكنك أن تعرف كيف ينتهي الحال بمن حاولوا أن يكونوا عيون غيرهم، وأيديهم وألسنتهم، وصوت ضمائرهم، إمّا أنّهم تعفّنوا في السجون، أو على مِعاد مع أن يتعفّنوا فيها يوماً ما. ثمّة لعنةٌ تنتظرهم في بيوتٍ كثيرة، في بيوتٍ كانوا فيها قبلاً عيون أهلها وأيديهم وألسنتهم وصوت ضمائرهم، لكنّ البيوت تنسى، وأهلها ينسوون، ينسوون تلك اللحظة التي استصغر فيها الآخرون أرواحهم، ووضعوها على المحكّ لأجلهم، وتذكّروا أنفسهم فحسب، فماذا نالوا؟ أعني هؤلاء الذين كانوا شموعاً محترقة؟ ماذا نالوا سوى أنهم احترقوا وكانوا وقوداً للمحرقة!
لذا، أخبرني يا جمال بخيت، كيف؟ كيف يُمكن لي أن أكون أنا وأكون عيون غيري في اللحظة ذاتها، دون أن أتسبب لنفسي بالهلاك، ولا لأحزاني بالإنبطاح تحت سطوة الخوف من فقدان الآخرين، ولا أن أتسبب لعيني بخفوت الوهج ولا لوجهي بانغمار حماسته؟ أخبرني بربّك.
-
64/365
تعليقات
إرسال تعليق