112: سياسيٌّ، فماذا بعد؟!
عندما أفكّر في السياسة، لا يُسعفني عقلي. أعني، كيف لعاقلٍ أن يُفني عمره غارقاً في كتلة من القاذورات مع مجموعة من المجانين الديكتاتوريّين ليُسمّي نفسه في نهاية الأمر: سياسيّاً!
بالنسبة لي، السياسةُ هي اللعبة الأقذر على الإطلاق، ليس لأنها تتعفّن في الظلم والجور فقط، بل لأنّها منذ فجر التاريخ، لم تشهد إلّا على المجانين الساديين أو المتسلطين المتطرفين. ثمّة احتمالية ضئيلة لأن يكون رجلٌ عادل أو امرأة مُنصفة قد قطعا سلسلة التاريخ الظالمة تلك، لكن هذا القطع قد التأم سريعاً كأنّه جرح سطحيّ في الجلد.
ولأنّ السياسة جزء من التاريخ، والتاريخ كما نعلم له ذاكرةٌ مُشوّهة ومتغيّرة على ذوق من كتبه، فلم يكن يوماً حياديّاً ولا موضوعيّاً، فإن السياسة تِباعاً لها ذاكرة مشوّهة ومتغيّرة ولم تكن يوماً حياديّةً أو موضوعية.
ومن الغريب كيف يبدو وقع كلمة سياسة قريباً من كلمة إنسانيّة، رغم أن كلّ منهما عالم مختلفٌ تماماً عن الآخر، بل معاكسٌ للآخر. لا أعلم لم تذكّرتوأنا أكتبُ الآن اللحظة التي علمتُ فيها بموت المحامي أحمد سيف، الذي أفنى حياته في كلتاهما، فوقف في وجه السياسة الظالمة ويداً بيد مع الإنسانيّة. لو عاد بي الزمن لسألته: كيف لك بكل هذا الصبر وأنتَ ابنُ عنق الزجاجة تخنقك السياسة وانعدام الحريّات؟
قد يكون لسيكولوجيتي العاطفية المُسالمة يدٌ في عدم فهم السياسة والسياسيين، لإنني أفضّل أن نجتمع جميعنا على تلال خضراء، لنا بيوتنا الدافئة، نتشارك العشاء وأكواب الشاي والأحاديث، وننام في أسرّتنا لا تؤرقنا القوانين ولا الدساتير ولا يتخللنا ظلم ولا ظالمون، ثم نموت بكل هدوء، تتأوّه بجانبنا حيواتنا الأليفة ويدمع فوقنا أحبّتنا، ثم بضع شهورٍ لنُنسى، ويستمّر العالم المُسالم بعدنا.
-
112/365
تعليقات
إرسال تعليق