120: لا أريدُ، لا أريدْ..

لا أريد أن أصطدم يومياً بصور أجسام نساء وأطفال مليئة بالكدمات والكسور فقط لأنّ العالم لا يريد لهذه الأمور أن تنتهي. لا أريد أن أرى دماءً ولا أن تصلني رائحة البارود المحترق من شاشة الهاتف المحمول. لا أريد أن يحيطني العالم الإفتراضي بنقيضين، عالم وردي يطير دائماً على جناح طائرة، وآخر مليء بالصراخ والكسور والخسارات.

أحاول أن أتخيل كيف كانت الحياة قبل أن يخترعوا اختراعاتٍ غيرت وجه البشرية إلى الأبد. أعلم بالمعلومات والورقة والقلم كيف كانت الحياة، لكن تفاصيل اليوم، كيف تمرّ الساعات والدقائق، هل كانت السنين بطيئة أم تركب لامبورجيني، كيف كان الصباح والفطور، العشاء والتلفاز، طعم الشاي، كيف كان العيد والأعراس والمناسبات. كيف كان كل هذا.

ورغم الكتب والسير الذاتيّة والتاريخ، لن تعرف تماماً ما بدى عليه زمنُ ما قبل الإنترنت، وانفتاح العوالم جميعها. لكن يمكنني أن أتخيل أن ما نعيشه الآن، هو تمام عكس ما كان سابقاً. صورة مقلوبة لا أكثر ولا أقل. أعني، الناس هم الناس مع اختلافات بسيطة لكن الظروف تغيرت فتغير معها بالتبعية كل ما يحدث حولنا، وحتى تفاعلنا مع ما يحدث حولنا.

أتذكّر أن أول حساب فيسبوكيّ لي، كان فيما بعد الثورة بشهور، أردتُ أن نتشارك المعاناة والمأساة والإنتصار. أردتُ أن أرى ماذا يحدث حولي لا أن أتخيله، لا،" أحتاج دمع الأنبياء لكي أرى". ثم بعد وقت ليس بطويل لكنه ليس بالوجيز، شعرتُ أنني خذتُ كفايتي، وأنني لا أحتاج دمع الأنبياء لكي أرى، لكنني أحتاجُ منشفة أو قماشة بالية لألفّ بها عيني لأنّ الرؤية أصبحت قاسيةً ومكتظة بالمشاهد التي لا ترحم.

أنا الآن، أحبّ لو عدتُ، حيث لم أكتشف في الأساس ما يحدث حولي، حيث لا أتشارك المعاناة مع أحد، حيث لا يهمني سوى شارع داري والأوضاع في مدرستي والقضية الفلسطينية التي تعلمناها بالكتب والمشاركة. حيث لم تكن الحياة معقدة إلى هذه الحدّ. حيث يمكنني الوقوف واستنشاق نفس عميقٍ في هدوء وسلام، فحسب.
-


120/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا