91: معادلةٌ مجنونة: الحكاياتُ في وجه النسيان

أتذكّر إنسانيّتي عندما أحكي مظاهرها لأحد من المقرّبين. أتذكّر المواقف التي عشتها وعاشتني، أتذكّر حياتي عندما أروح في سردها. وكلما التزمتُ الصمت نسيت.

أكثر ما أحاول الهروب منه في هذه الحياة، هو كل ما قد يستدعي شعور أحدٍ تجاهي بالشفقة، وأنا لي كبرياءٌ مُزعج، كبرياءٌ لا يُحبّ أن يستجدي المساعدة، ولا يحبّ أن يتلبّسه الضعف. لكن - ولحظ كبريائي العاثر-  لي قلب. 
ولأنّ القلب يحبّ، ولأن القلب إنسانيّ وحميّ، ولأن القلب نقطة ضعف كل نقاط القوة، يتهاوى الكبرياء على عتبات الدور أحياناً. وأحاول، بصدق، أن أحافظ على هذه المعادلة المجنونة، كبرياءٌ، دون استثارة للشفقة، وقلبٌ محبّ.

لقد فاجئتُ نفسي منذ فترة عندما نسيتُ أحدهم نسياناً تاماً، وعلى الأغلب - ولأجل النسيان- حافظتُ على كبريائي وتوقفتُ عن السرد، لا أحكِ تفاصيله، لا أقرأ إهداءاته ولا أجد وروده، لاشيء، لا أتذكّر شيئاً منه سوى اسمه. ولم يكن في الأمر حرب، أعني لم أشعر أنّ جاذبية الذكرى أقوى من النسيان، لا، بل كان للنسيان فوهة عميقة غامضة بدت أكثر أماناً من هذه الصحراء الباردة. لهذا اعتزلتُ الحكايات، لأنّها السلاحُ الوحيد الذي يقاوم ضدّ النسيان، وأنا أريدُ أن أنسى.

أحياناً يقوم النسيان بالمسح الأعمى، وتقتصّ الحكايات من أطرافها لتسانده، والكبرياء كمراهق عنيد يتأرجح على أرجوحة الوقت. ويذهب في هذا المسح أيام أخرى، أيامٌ لها ونسٌ وحكمة، أيامٌ خفيفة لا تخدشُ الكبرياء ولا القلب ولا الذاكرة، لهذا ألجأ للحكايات، لأنّها السلاحُ الوحيد الذي يقف في وجه النسيان، وأنا لا أريد أن أنساها.

-

91/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا