92: رقصةُ الأمعاءِ المجنونة..

لا شيء يثير الدم في عروقي كالسفر، ولا أعني بذلك الرحلة المكررة التي أعايشها كل بضع شهور، والتي كدتُ أبصمُ هضباتها وجبالها ومسطحاتها المائية عن ظهر القلب، بل أعني تلك الرحلاتُ التي تنشأ من المرح وتُفضي إلى الفرح، الرحلاتُ التي نتشاركها مع الأصدقاء لنزور بلداً جديدةً أو حتى مدينةً في مصر سمعنا عنها دائماً وقررنا زيارتها أخيراً.

لكلّ إنسان منّا رقصةٌ مميزة لأمعائه وحماسةٌ مضطربة في جوفه تملؤه حيال أمر ما، ولو لأمر واحد فقط! أما أنا فالمراتُ القليلة التي شعرتُ فيها بوخز ناعم في داخلي، كأنّ ريشة تدغدغني، وراقص سالسا يتمايل على قولوني، كان السفر جزءاً منها.

في السفر حريّة أطمح لها، وأتخيلها وأنا على سريري، كل ليلة، أتخيّل نفسي أسير في شوارع لندن، أو أسمع موسيقى رائقة في شوارع روما، أتناول طعاماً شهيّا وأرقص كالفراش، أو أجلس في قاربٍ مميز في ڤينيسا، لستُ بمفردي لا، وعلى السواء لا أتخيل أحداً معي كذلك. أتخيّل نفسي أتمشى والرمل الغزِل يداعب قدمي على شاطىء كينيا التي لا يفكّر في زيارتها أحد، وأحياناً أتخيّل نفسي ممَّدةً بكل سلام كأن العالم سينتهي غداً، أعدّ النجوم في المالديڤز.

أتخيّل خيالاتٍ كثيرة كلها حول السفر، حتى أنني أحلم بدهب في الصباح، ودهب في الليل مع الأصدقاء، نتسامر ونتضاحك حتى الصباح. برج القاهرة عند الغروب في أول نوڤمبر عندما يصبح الجوّ عذباً وبارداً، أو سهرة بالشاي والغناء في النوبة، أتخيّل أماكنَ هنا وأماكن هناك. وأسبّ خلالها الرأسمالية وحقوق المرأة والمجتمع.

تمنيّتُ فعلاً أن تكون الحياةُ بسيطةً، وتمنيتُ ألا يكون الشيءُ الذي يحفّز حواسي باندفاعيةٍ وجنون أمرٌ معقّد ويحتاج الكثير، بل الكثير الكثير من الموافقات الأمنيّة والأهلية والتصاريح المجتمعية والماديّة، حتى يسير في اتجاه النور. تمنيّت فعلاً.

-

92/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا