98:ما بين ليلةٍ وضحاها: "غيّر عتبة"

إنّ الأمور قيّمة للغاية في اللحظة التالية لانفلاتها من بين أصابعك، وعاديّة، بل أقلّ من العاديّة، إن كنتَ تقبض عليها كحمامة مسكينة تسللت لغرفتك.

استيقظت هذا الصباح على مفاجئتين، أولّهما: احتقانٌ شديد في اللوزتين الّلتين احتفظتُ بهما لشدة خوفي من غرفة العمليات، والتي ما لبثتُ أن دخلتها لاحقاً فلا فادني خوفي ولا فادتني اللوزتين. ثانيهما على قبلة وضمّة أبي العائد أخيراً من السفر.

نقول نحنُ المصريين " غيّرلك عتبة" عندما تتعقد الأمور كثيراً، أو عندما يصيبنا الملل، نحتاج أن نغير "العتبة" لكي يعود ألقها الذي زهدناه. وعندما نعود، يبدو كل شئ مختلفاً وجديداً ونظيفاً للغاية، كأننا نراه للمرة الأولى بينما قد أذابه دوام استخدامه واستدامة وجوده. وإنّ أقسى معلّم صادق ستعرفه في حياتك هو هذا الذي يغيّر عليك الأعتاب دون أن تملك يوماً رفاهية العودة.

البارحة فقط، كنت أقفز في الشارع، آكل بشهيّة وأتسامر مع الأصدقاء، كنت نشيطةً لا أشتكي من أية آلام سوى آلام الجيم. البارحة فقط، كنتُ أتخيل متى سيعود بابا لأنني اشتقته، ولأنّ العالم أكثر طيبةً وحنّية فقط لأنّه فيه، حتى وإن اختلفنا اختلافاتنا الضاريّة، حتى وإن تناقرنا وتجاذبنا أطراف الحديث كلّ يسعى لإثبات وجهة نظره، فهو السلام في هذا العالم، وهو الرجل الوحيد الذي أحبّني من كامل فؤاده.

البارحة فقط، لم أكن أختبر أيّاً من مفاجئتيْ الصباح، وعليه لم أدرك حينها سهولة الإستيقاظ والحركة والأكل دون أن أشعر بألم قاطن في كامل جسدي. بل لم أكن أدرك مدى لطف الكون في أن أستيقظ اليوم وأبي بجانبي، لأنّه كما تعلمون الأمور قيّمة للغاية في اللحظة التالية لانفلاتها من بين أصابعك، وعاديّة، بل أقلّ من العاديّة، إن كنتَ تقبض عليها كحمامة مسكينة تسللت لغرفتك.

-

98/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا