99: ليلةٌ صفاقسيةٌ: ذكرى من العيد
أحبّ مراقبة النجوم، رغم كرهي الشديد للفيزياء، لكنني أجد في النجوم سلاماً عميقاً وحقيقياً. أنا لستُ فقط أكره الفيزياء، بل أخاف الفضاء، ورغم انبهاري الشديد بكلاهما، لكنني لم أشعر يوماً أن هذا الفضاء الواسع الممتد إلى اللانهاية شيء مُسالم ويمكنني إهداؤه مشاعر حبّ أو طمأنينة. يمكنني فقط أن انبهر به كما ينبهر رجلٌ شرقيّ بالأفخاذ لكنّه لا يتزوج امرأة تكشفهما.
ظلّ القمر جسمي المعتم المفضل، حتى عندما لم أكن أعرف هذا عنه وكنت أظنه كوكباً، فلم لا أحبّه! كان مُراعياً،يسير معي وأنا أسير، لا يهم بأي وسيلة أسير، لكنّه يرافقني، ينيرُ عتمة الليل ليؤنس هذا الظلام الحزين، يلفّ حوله النجوم حتى وإن لم يكن ذلك كلاماً دقيقاً، لكنه من شرفة منزلي يبدو كجدّ يجمع النجوم حوله على مائدة العشاء.
ولأنّ نوره ليس ساطعاً حتى يستحيل عليك التحديق به كالشمس، فيمكن لك أن تراه وتصادقه وتأتنس به في كل بقعة ستطؤها قدماك.
منذ عامين، في ليلة عيد الأضحى، كنا نتشارك أنا والأصدقاء ذكرى أجمل عيد عايشته، كنا في باحة منزل تونسيّ جميل، له الألوان التونسيّة المميزة، الأزرق والأبيض، نجلس أمام مائدة فارغة لأننا لم نكن جوعى على الإطلاق، ونتكىء على أريكتين يجابهان الهواء الطلق، يأتي صوت البحر من بعيد، يمكننا رؤية أمواجه إذا شبّ أحدنا، كان هذا العيد الأجمل على الإطلاق، لأننا عندما استيقظنا تشاركنا الفطور وشهدنا ما بعد الأضحية وجرّبنا للمرة الأولى الوجبة الصفاقسية المميزة ليوم العيد الأول " بيزين"، لا تُشبه أي شيء تذوقته قبلاً، كانت مكونة من لحم الأضحية وشيءٌ ذو قوامٍ ثخين ولزج كأنّه ڤازلين، لم يكن شيئاً اعتادته حلمات التذوق خاصتي، لكننا تناولنا ما استطعنا منه، تقديراً لكل الحبّ الذي صُنعت به.
وأنا أراقب القمر والنجوم الليلة، شعرتُ أنّها نجوم وقمر صفاقس، شعرتُ أنني سافرتُ من مكاني لتلك الليلة النسيمة الجميلة، وشعرتُ أنّ جسمي المعتم المفضّل هذا ليس مجرد رفيق، وإنما صندوق ذكرياتٍ يحمل الأزمان والأمكنة واللحظات على حدّ سواء.
-
وأنا أراقب القمر والنجوم الليلة، شعرتُ أنّها نجوم وقمر صفاقس، شعرتُ أنني سافرتُ من مكاني لتلك الليلة النسيمة الجميلة، وشعرتُ أنّ جسمي المعتم المفضّل هذا ليس مجرد رفيق، وإنما صندوق ذكرياتٍ يحمل الأزمان والأمكنة واللحظات على حدّ سواء.
-
99/365
تعليقات
إرسال تعليق