122: هوانٌ بشريّ وآلامٌ ممكنة

نزلة برد تثيرُ في النفس الضعف، وترجّ الجسد برداً في عزّ قيظ شمس الظهيرة. يا للضعف البشري، ويا لضعفي!

على عكس عادتي وما أحسب صحتي عليه، فقد أصابني برد الصيف مرتين في شهر واحد وأنا في العادة لا أصاب به إلا مرتان في السنة، مرة للشتاء ومرة للصيف. وأنت تعلم عزيزي القارىء كم ثمينة هي اللحظة التي تفقد فيها أموراً يومية واعتيادية لتدرك كم كانت هائلة الحجم ومؤثرة. كألّا تحتاج أن تتمخّط بمعدل عشر مرات في الدقيقة، أو أن تستمتع بالهواء البارد القادم من التكييف دون أن تشعر أن أجزاءً من جسدك ستنفلت منك من شدة الإرتعاش، أو ألا تسير تحت الشمس الحارقة بينما جسدك يعجّ ببرد كامن، أو أن يكون الركوع والسجود أمور سهلة، وحتى بلع الريق.

ولأنني أعمل في مشفى، أشعر بأنني محاطةٌ بالعدوى طوال الوقت، وعلى الأغلب أصاب بها بالفعل، لكنني أرى، هؤلاء الذي يسيرون بالقسطرة تتدلى من جانب أرجلهم مغطّيين أنفسهم بوشاح أبيض كبير لرفع الحرج عن أنفسهم وعن الآخرين، أرى هؤلاء الذين لا يملكون حتى أن يشتروا شاشاً أو قطناً من صيدلية بالخارج، فيكتفون بما تحصّلوا عليه ويغادرون، أرى امرأة ممددة على الحمّالة المهترئة ( السرير المتحرك في المستشفيات ) تلفّها ملاءاتُ منزلها ويبدو عليها غلبٌ مدقع، أرى كل هؤلاء وأقول ما البرد إذاً! لا شيء. إنّه لا شيء.

وليس بالضرورة أن يُعتبر هذا استحقاراً للآلام الإعتيادية التي يبدو علاجها متاحاً، هو ليس كذلك بالفعل، لكنّه معادلة أو مفاضلة يقوم بها عقلي الشاهد على ما يدور حوله وما يدور بداخله. ثمّة آلام مُمكنة فحسب.

-

122/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا