131: كلّه بيعدّي..

في العمل الحكومي، تتحول لشخص مثخن بالحكايا البائسة المُخبأة خلف وجوه ضاحكةٍ وصوت واثقٌ عالي. فاليوم مثلاً، كنا نجلس أنا وامرأة تبدو عليها ملامحُ قوّةٍ فجّة رغم نعومة قسمات وجهها وغمازتها الرقيقة، وبرغم شرارة الصلابة المنبعثة من عينيها إلّا أنّها امرأةٌ ذات باع عظيم من الفقدان، فخسرت ابنتها في حضّانة مستشفى خاص بسبب خطأ طبيّ، ثم بعدها زوجها بخطأ طبيّ كذلك! تقول ذلك ولم تدمع عيناها حتّى، تلك المرأة التي تقف في مواجهة الحياة تعمل كموظفةٍ حكومية لتعول بيتها وعائلتها دون أن يبدو عليها بؤسٌ حياتيّ سرمديّ. 

لي صديق عزيز، تسقط الدنيا على كتفيه، وترتفع الجبال وتنشق بحور دنياه لكنّه يتقن الإدعاء بأنّ الوضع " ماشي حاله" والحمدلله على كل حال. متى ما حادثته ردّ كأنّه في يومه المثاليّ، متى ما لجأت إليه ربّت على كتفي وقال لا تحزني، لا شيء يدوم! في خضمّ المعركة، يمسك منديله ليمسح عني الأذى.

يقف الكتاب ممسكاً بيدي في كل الأوقات، لا يهمه كيف تبدو يدي ولا يهمه كيف تكون حالتي، يمكنني أن أؤرق سلامه اليوميّ وأحركه من الرفّ لأي مكانٍ أريده، قد أنساه أحياناً في حقيبتي لأنني أردتُ أن أحمله معي في الصباح لأشعر بالطمأنينة فحسب، قد أركنه على كومودينو غرفة النوم بالأيام دون أن يفقد الأمل فيّ، يمكنني الإحتماء به من وجوه الناس في الشارع أو الإنغماس في وجوه الشخصيات فيه بين الصفحات، يمكنه أن يكون موجوداً لأجلي دائماً، وأن يشاركني حالتي، دون أن يكون سخيفاً أو يحمّلني الجميلة.

تحت أقدام اللحظات السريعة، ثمّة أناس يمكنهم التعامل مع كل ما يحدث حولهم دون نحيب بالغ ولا نشيج مسموع، يمكنهم رسم الحياة على وجوههم حتى وإن بدت ملامحها شديدة الإختلاف عن ملامحهم، كأنّهم مجموعة من الفنّانين القادرين على رسم الإبتسامة، والطمأنينة والصبر. هؤلاء دائماً ما يثيرون في النفس الإنبهار. دائماً.

-

131/365

تعليقات

  1. " توقف عن تصدير حزنك للعالم فلن يأبه أحدٌ لك "

    ردحذف
    الردود
    1. هذا السطر يحمل احتماليات كثيرة، على كل الأحوال شكراً لك.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا