134: ما بين سوء منهم وسوء إليهم!
إنّ أكثر ما يصيب الإنسان في مقتل، أهل بيته. أن سوءاً يمسّهم فيمسّك ضعفه، أو أن سوءاً يمسّك منهم، فتهلك. ولا يسهُل عليّ تخيّل الحياة ومزاولتها بكل سلاسة بينما سوءٌ من كليهما قد يصيب الإنسان ويتغلل به إلى حزن عميق، فماذا يفعل الإنسانُ بنفسه لينجو بها من الخوض في أيّما حزن أو لينجو بعها بعده!
عندما كنت ابنة الضفائر المنتظمة والجرابات الطويلة ذي النهايات المزركشة، كنت أقف في وجه كلّ من يحاول التعدّي على أخواتي، بكلمة أو بنظرة أو حتى بمزاح ثقيل، حتى أنني كنت أقف في وجه أبي إذا رفع صوته أو " الشبشب"، وكان يضحك عليّ فيقول " يا مفعوصة، هتعملي عليّ محامي العيلة"، أقول بكل شغب: " نعم! أنا محامي العيلة، أفندم!". رغم أني لم أستسغ المحاماة يوماً ولم أشتهي روبها الأسود ذاك، إلى أنني كنت أقف في وجه الجميع من منطلق الحماية المطلقة، هؤلاء أهل بيتي، لا أتحمّل لهم أذىً مهما بدا تافهاً.
تقول عمتي عندما ماتت أمّها: " الحياة كان فيها حاجة، بس فجأة مبقاش، كإنّ طعمها بقى ماسخ أو لونها بهت، حاجة كده مخلية الأيام مش ماشية"، وكان لعمتي باع عريض من العشق المتبادل وصدق علاقة الأم بالإبنة، ولهذا كان ارتباطهما وثيقاً إلى أن فكَ رباطهما القدر فعانت عمّتي بحقّ حتى زارت طبيباً للمساعدة. لم تكن قادرةً على الإستمرار أكثر.
لي صديق، عزيز جداً، فقد أخاه الأكبر منذ ما يقارب العام ونصف العام، عندما عرفته، كانت بضع شهور قد مرّت على الغياب، كنت أرصد في عينيه حزناً جامحاً، يستنجدُ لشدةٍ في صدقه وقسوةٍ في حداثته، كأنّ جرحاً ينزّ دماً لأكثر من أربع شهور. كان بإمكان المُبصر أن يرى جرحه ويمسّ من نظرته دفء دمائه.
يمكنُ لك أن تتعايش مع أحزانك وخساراتك وبلاهاتك، لكنْ أن تواجه أذىً في هؤلاء الذين لا طالما استبعدت أن يمسّهم سوء أو أن تُختبر سعادتك فيهم بهذا الشكل القاسي لهو أمرٌ يعجز عنه التعايش ويشطّ له العقل. لكن، دائماً هناك حلّ، حلّ للوصول لشيء من السلام الذي يجعلك تتقبل الخسارة، تتقبل الأذى، أو تتقبل ما قد تحمله لك الحياة من جعبتها التي لا تنفكّ تمتلىء بالمفاجئات.
-
134/365
عندما كنت ابنة الضفائر المنتظمة والجرابات الطويلة ذي النهايات المزركشة، كنت أقف في وجه كلّ من يحاول التعدّي على أخواتي، بكلمة أو بنظرة أو حتى بمزاح ثقيل، حتى أنني كنت أقف في وجه أبي إذا رفع صوته أو " الشبشب"، وكان يضحك عليّ فيقول " يا مفعوصة، هتعملي عليّ محامي العيلة"، أقول بكل شغب: " نعم! أنا محامي العيلة، أفندم!". رغم أني لم أستسغ المحاماة يوماً ولم أشتهي روبها الأسود ذاك، إلى أنني كنت أقف في وجه الجميع من منطلق الحماية المطلقة، هؤلاء أهل بيتي، لا أتحمّل لهم أذىً مهما بدا تافهاً.
تقول عمتي عندما ماتت أمّها: " الحياة كان فيها حاجة، بس فجأة مبقاش، كإنّ طعمها بقى ماسخ أو لونها بهت، حاجة كده مخلية الأيام مش ماشية"، وكان لعمتي باع عريض من العشق المتبادل وصدق علاقة الأم بالإبنة، ولهذا كان ارتباطهما وثيقاً إلى أن فكَ رباطهما القدر فعانت عمّتي بحقّ حتى زارت طبيباً للمساعدة. لم تكن قادرةً على الإستمرار أكثر.
لي صديق، عزيز جداً، فقد أخاه الأكبر منذ ما يقارب العام ونصف العام، عندما عرفته، كانت بضع شهور قد مرّت على الغياب، كنت أرصد في عينيه حزناً جامحاً، يستنجدُ لشدةٍ في صدقه وقسوةٍ في حداثته، كأنّ جرحاً ينزّ دماً لأكثر من أربع شهور. كان بإمكان المُبصر أن يرى جرحه ويمسّ من نظرته دفء دمائه.
يمكنُ لك أن تتعايش مع أحزانك وخساراتك وبلاهاتك، لكنْ أن تواجه أذىً في هؤلاء الذين لا طالما استبعدت أن يمسّهم سوء أو أن تُختبر سعادتك فيهم بهذا الشكل القاسي لهو أمرٌ يعجز عنه التعايش ويشطّ له العقل. لكن، دائماً هناك حلّ، حلّ للوصول لشيء من السلام الذي يجعلك تتقبل الخسارة، تتقبل الأذى، أو تتقبل ما قد تحمله لك الحياة من جعبتها التي لا تنفكّ تمتلىء بالمفاجئات.
-
134/365
تعليقات
إرسال تعليق