143: سذاجة التفاؤل..

محاولاتنا المستميتة للتفاؤل ساذجة، فعندما نشعر بالحزن ندعو أنفسنا المنهكة للتفاؤل، وعندما نشعر باليأس ندعو أنفسنا المحبطة للتفاؤل، وعندما نشعر بالخوف ندعو أنفسنا الجازعة للتفاؤل، وعندما نشعر بالسعادة ندعو أنفسنا الهائمة للتفاؤل أكثر، وعندما تتحطم آمالٌ لنا ندعو أنفسنا المنكسرة للتفاؤل، وعندما يصيبنا الملل ندعو أنفسنا الحانقة للتفاؤل، وعندما يموت أحدهم نسعى للتفاؤل وكأنّه مسعىً نبيل وطوق نجاة.

في المراهقة، كنتُ أرى في التفاؤل لمسة سحرية، ياقوتة في تاج الأمير، لؤلؤة في محارة غارقة في الأعماق. أشياء كثيرة مبهرة كانت معلّقة على هذا المفهوم الهشّ، إلى أن استمرت السنين في المضيّ، حتى رأيتُ في التفاؤل محاولة وليست مسعى، محاولة ساذجة، محاولةٌ تلبس عباءة " التنمية البشرية " التي لا تفلح في أغلب الأوقات، ولم أعد أشعر أنني بحاجة للوصول إليها.

 أنا لا أحتاج إلى التفاؤل، أنا أحتاج إلى الرضا، أحتاجُ لأنْ أثق في الخطة الكبرى التي وضعت لي، في احتمالية الخسارة الموازية لاحتمالية المكسب، وأنني على بعد شبر من كلاهما، أحتاج لأن ألملم شتاتي كلما فقدت التركيز وانغمستُ في حيوات الناس أكثر من اللازم. لا مكان حقيقيّ للتفاؤل إن لم يكن ضمنياً لا محورياً، وكأنّه شعور سلس وخفيف في خضمّ الأحداث ووسط عيون الناس. فلمَ كل هذه المحاولات لإقناعنا بالتفاؤل وهو ليس دقيقٌ كالرضا ولا حتى شموليّ كالتسليم!

-

143/365

تعليقات

  1. ليبتنز كان بيشوف أن التفاؤل ضروري لأنه اكيد ما دام الإله اختارلنا العالم ده من وسط كل العوالم التانية أنه أفضل العوالم الممكنة وعلى أساسه نتفائل.. على عكس فولتير تماما وأنه مفيش أسوأ من كده"ممكن تراجع كانديد".
    في صياغة جديدة تماما للتفكير الفلسفي و إعادة طرح السؤال الوجودي في أركولوجيا ميشيل فوكو وبيفرق بين الخطاب واللغة كما نيتشه وبيطرح سؤالك بشكل أكبر وأعمق وأشد تماسك في الكلمات والأشياء.. استمري عاش

    ردحذف
    الردود
    1. شكرًا للردّ الغنيّ ده، هبحث في الأسامي اللي معرفهاش فيهم، حتّى لو بستتقل القراءة في الفلسفة بشكلها الخام، لكنّ أعتقد هتكون قراءة ثريّة..
      شكرًا لتعليقك ولقراءتك :")

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا