149: صفحة بيضاء تنظر لي..

كل ليلة، أحملق في تلك الصفحة البيضاء، وأخاف، أخاف أن تخذلني ذاكرتي، أو أن تخذلني كلماتي، أو أن ترفضني تلك الصفحة البيضاء الطاهرة لتلفح في وجهي رداءها: اذهبي أنتِ وحزنكِ وحبركِ الأسود.

الوقت، عدوك الأول وصديقك الوحيد، سيقف في مواجهتك كل ليلة كذلك، سينظر لك في عينك وسيقول بحفيف خافت: " ماذا ستفعل الليلة؟ فيمَ أنتَ ماضٍ؟" أمّا أنتَ، فستحملق في تلك الصفحة البيضاء، تخاف، تخاف أن تخذلك عقارب الساعة أو حبّات الرمل أو رغبتك في الأمل، ستخاف.

وبعد مرور مئة وتسعة وأربعين يوماً، أي ما يقارب أربعة أشهر أو يزيدون، أصبحتُ أخاف أكثر من ذات الصفحة البيضاء، وبتّ أسألها بصوتٍ خجول، هل تشهدين الأفكار ذاتها وكلمات بعينها دون سواها؟ هل تتكرر طرقات أصابعي بشكل ممل؟ هل مللتِ يا صفحتي البيضاء؟

وأخاف، عندما تنتهي المئتان وستة عشر يوماً المتبقية، ماذا سأفعل! أعني، ستكون رابطة عاطفية في المقام الأول ربطتني بصفحة بيضاء خالية تتحداني كل ليلة، بأشخاص يتحدّون الكسل الأول لينقروا رابط المدونة فيقرؤها، لأشخاص يتجازون الكسل والقراءة ليتركوا تعليقاً لطيفاً أو تعقيباً مُتقناً، ماذا سأفعل؟

تجاوزت، بل تجاوزنا، ثلث المسافة، وكانت الرحلة ممتعة وكأنها هروبٌ عرضيّ من الحفرة للبستان، بينما الحياة خارجها سقوطٌ عاموديّ في "الدُحديرة"، بقلب جامد.

 هذه الرحلة التي أعتبر نفسي محظوظة كفاية لخوضها سواء شاركني فيها المئات أو العشرات أو كنت فيها بمفردي دون أحد، كانت مواجهتي مع الصفحة البيضاء والوقت معاً، كل ليلة أسأل الصفحة البيضاء ما الوقتُ فاعل؟ وكل ليلة يسألني الوقت لم الصفحة بيضاء ما زالت؟ كل ليلة.

-

149/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا