156: الكلمة،تاريخ: "بعلم الوصول"

وبعد انقطاع، عُدت للقراءة، أو عادت لي. وكان لكتاب "بعلم الوصول" لأحمد خير الدين النصيب في ذلك، ولحسن الحظّ كان اختياراً خفيفاً ورائقاً ولذيذاً. 


الكتاب مجهود إعداد وبحث ومحبّة من القلب، وليس كتاباً يعتمد على أفكار الكاتب أو مهاراته الشخصية. وشعرت من خلال الكتاب أنني أجلس في غرفة الجلوس، أمامي جوابات مبعثرة وكثيرة على الطاولة، بيدي كوبٌ زجاجيّ من الشاي، أسند رأسي إلى كفّي متأمّلة في كل هذا التاريخ الذي بين يديّ. وقد تتعرّف من خلال الكتاب على الكثير من تاريخ كل فترة من الفترات التي مرّت على مصر، ستشعر أنك متورطٌ في أحداثٍ تاريخية ومعلوماتٍ سياسية ومشاهد رومانسية بين حبيبين، وقد تحرقك نار شوق لاذعة بين زوجين تُفرّقهما الغربة الباردة. ستمتلك مشاعراً مكتظة تحيطك من كل الزوايا والأمكنة، وسوف لن تكون وحيداً، لأنّك ستكون ككاميرا المراقبة، شاهداً على ما يحدث هنا وهناك وما بين ذلك.

مدى حبّي للرسائل لا ينكمش ولا يتقلّص، وقد وجدت في ما صنعه أحمد خير الدين شيئاً يُشبهني، ويُشبه ما أحبّ للنتاجِ أن يكون عليه؛ كتابٌ سلسٌ من الناس، يشبههم تماماً، يحكيهم من خلالهم للناس، ميراثٌ تاريخيّ كُتب في يومٍ ما ومكانٍ ما دون أن يعبء به أحداً أو يهديه بالاً ثمّ اليوم غدا زاداً طُبعت سطوره وصفحاته في المكتبات ليقتنيه الناس، فيتسلمه بعدهم أناس آخرون، هكذا، حتى آخر الزمان.

أفكّر في كل حرفٍ يكتب مهما بدا ساذجاً أو مُهمشاً، على أنّه التاريخ والتأريخ اللاواعي. فمن يدري؟ إلى أي مصير ستؤول له الكلمة وإلى أي يدٍ ستنتهي إليها رسالتك ومن أي درجٍ سيستخلص الناسُ مذكراتك اليومية واعترافاتك السريّة؟! كل هذه الحياة، التي تنبض بالكلمات، لا تموت معك، لكنّها ربّما تُحيي قلوباً أخرى بعدك، فلا تحقّرنّ كلمتك.

-

156/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا