161: مرحباً بكَ في عالم الكبار
أودّ من كامل كامل كامل فؤادي، لو استيقظتُ صباح غدٍ طفلة. مُجرد طفلة سعيدة لا بال لها سوى اللعب ولا هاجس لها سوى امتحان الإملاء والخوف من الخلط بين التاء المربوطة والمفتوحة. أودّ بكل طاقتي أن أعود للامبالاة واعتياد العالم المتكرر واليوم السبيستونيّ الدافىء، أودّ لو أغمض عيناي فتلعب الفيزياء لعبة مجنونة خارج حدود الحسابات والمنطق والكمّ وتعيدني للوراء، عندما كان البيت مأمناً حقيقيّاً وملاذاً وحيداً أوحداً لا شريك له.
ألا تشعر أحياناً بالحنين يجتاح فؤادك عندما ترى طفلاً يجلس على شباك السيارة، شعره يتنفس الهواء وضحكته تُلعلع في السماء، يُرسل تحيّاتٍ عشوائية للسيارات التي خلفه أو أمامه، في قلبه كل شيء عدا الخوف، في قلبه البهجة والجنون والمغامرة، حيث لا مكان للتردد أو التراجع. ألا تشعر بالحنين عندما ترى طفلاً يُجرّ في عربته، يلجأ للبكاء كلما أراد شيئاً أو آلمه شيء أو أعجزه شيء. ألا تشعر بالحنين لتلك الأيام التي كنتَ فيها طفلاً قادراً على التحدث عن ما يحدث حولك أو ما يحدث بداخلك، عن الرغبات في إكمال هذه اللعبة أو الذهاب لملاهٍ بعينها دون أخرى، عن اللارغبة في حضور الدرس أو الذهاب إلى النادي. ألا تشعر أحياناً أن حريّة ما قد سُلبت منك بعد أن انقضت طفولتك وابتدى معها جحيمك اللذيذ؛ النضج؟!
أحسد تلك الضحكات الناعمة، لا أتمنى لها الزوال، لكنّها في لحظةٍ ما، ستزول، لا إلى اللاعودة لكنّها ستؤول إلى ضحكة أخرى، ليست عنفوانيةً ولا بريئة تماماً، ستكون ضحكة من العقل حتى لا يفقد تماسكه، وفي حضور شخص أو اثنين أو بالكاد ثلاث، والذين لن تجمعهم فصول المدرسة بعد الآن، لكنّ ستجمعهم اللقاءات المرتّبة والمؤجلة، وأحياناً السنوية إن شتتّ بين أراضيهم الأحلام.
أودّ لو أركض نحوهم، بأرجلهم القصيرة وأياديهم المنمنمة ووجوههم المنتظرة، لأخبرهم. لكم هي لحظاتٌ نادرة تلك التي تعيشونها الآن، وأعلم أنكم لن تفهموا حجم الجمال والندرة لإنكم لو كنتم لما ظللتم أطفالاً. تمسّكوا بآخر ذرّة في الطفولة، تمسّكوا بآخر حضنٍ صافٍ لا تفكير فيه ولا ممنوعات، تمسّكوا بالأيام التي لا تملؤها زيارات الطبيب ولا صدامات القرارات الحاسمة ولا انفلاج كونين لا أحد منهم يؤمن بوجود الآخر. تمسّكوا بصوت رشا رزق وهي تغنّي: "لا تبكِ يا صغيري لا أنظر نحو السماء". فانظر نحو السماء يا صغيرُ وغنّي.
-
161/365
ألا تشعر أحياناً بالحنين يجتاح فؤادك عندما ترى طفلاً يجلس على شباك السيارة، شعره يتنفس الهواء وضحكته تُلعلع في السماء، يُرسل تحيّاتٍ عشوائية للسيارات التي خلفه أو أمامه، في قلبه كل شيء عدا الخوف، في قلبه البهجة والجنون والمغامرة، حيث لا مكان للتردد أو التراجع. ألا تشعر بالحنين عندما ترى طفلاً يُجرّ في عربته، يلجأ للبكاء كلما أراد شيئاً أو آلمه شيء أو أعجزه شيء. ألا تشعر بالحنين لتلك الأيام التي كنتَ فيها طفلاً قادراً على التحدث عن ما يحدث حولك أو ما يحدث بداخلك، عن الرغبات في إكمال هذه اللعبة أو الذهاب لملاهٍ بعينها دون أخرى، عن اللارغبة في حضور الدرس أو الذهاب إلى النادي. ألا تشعر أحياناً أن حريّة ما قد سُلبت منك بعد أن انقضت طفولتك وابتدى معها جحيمك اللذيذ؛ النضج؟!
أحسد تلك الضحكات الناعمة، لا أتمنى لها الزوال، لكنّها في لحظةٍ ما، ستزول، لا إلى اللاعودة لكنّها ستؤول إلى ضحكة أخرى، ليست عنفوانيةً ولا بريئة تماماً، ستكون ضحكة من العقل حتى لا يفقد تماسكه، وفي حضور شخص أو اثنين أو بالكاد ثلاث، والذين لن تجمعهم فصول المدرسة بعد الآن، لكنّ ستجمعهم اللقاءات المرتّبة والمؤجلة، وأحياناً السنوية إن شتتّ بين أراضيهم الأحلام.
أودّ لو أركض نحوهم، بأرجلهم القصيرة وأياديهم المنمنمة ووجوههم المنتظرة، لأخبرهم. لكم هي لحظاتٌ نادرة تلك التي تعيشونها الآن، وأعلم أنكم لن تفهموا حجم الجمال والندرة لإنكم لو كنتم لما ظللتم أطفالاً. تمسّكوا بآخر ذرّة في الطفولة، تمسّكوا بآخر حضنٍ صافٍ لا تفكير فيه ولا ممنوعات، تمسّكوا بالأيام التي لا تملؤها زيارات الطبيب ولا صدامات القرارات الحاسمة ولا انفلاج كونين لا أحد منهم يؤمن بوجود الآخر. تمسّكوا بصوت رشا رزق وهي تغنّي: "لا تبكِ يا صغيري لا أنظر نحو السماء". فانظر نحو السماء يا صغيرُ وغنّي.
-
161/365
تعليقات
إرسال تعليق