162: التأريخ في عدسة..
بالنظرة المليّة لفنّ الشارع، للصور التي تتداولها الصفحات عبر الإنترنت أو حتى تلك التي تغازل عدسات كاميراتنا لإلتفاطها، نجدُ أنّها جميعها تشترك في صفة واحدة، العشوائية.
هل تخلو صورة واحدة تعرفها من كتابة على الحائط، جرافيتي مرسوم، زحمة في الشارع أو تكدّس في السيارات خانق، عمارات متهالكة ومثقلة بالتراب والزمان، الأناس أنفسهم يعلوهم التراب؟! هل تخلو صورة من الملابس الرثّة والملابس الماركة، من مشهد خاطف لميكروباص أو حتى نظرة عنيدة من قطّة لونها غدا رمادياً من عوادم السيارات وركل المشاة؟! هل ترى صورةً دون أن تلحظ التيه في العيون، أي عيون في الكادر، سواء كان التركيز عليها أو كانت عيون مهَمشة في الخلفية، سترى من خلالها التيه والهم وانقسام الظهر. هل تخلو صورة من " الإيشارب" والموبايلات المدسوسة تحتها؟! هذه هي صور هذا الزمان، سترى فيها ما يجعلها تتميز بكل أنواع العشوائية وسيتشارك ملتقطوها في ذات النظرة مهما اختلفت كادراتها.
أحبّ أن أتخيّل أن كل الصور التي تتقلب الآن أمامك في الفيسبوك وتويتر وإنستاجرام هي التاريخ، هي الصورة التي تعبر بالإنسان مستقبلاً إلى الماضي بشكله وهيئته، فيعلم الإنسان كيف بدا حاضرنا، كيف كانت الأزياء والسينما والحياة المحدودة المُتع والتسالي جزءاً من كل هذا.
يمكنك معرفة الفرق، المجتمع الذي اهتزت أركانه وانهارت عملته وقلّت بركته في الألفينيات كانت له صور أرشيفية منذ قديم الزمان لا عشوائية فيها، كادراتٌ رائقة، دون الكثير من التجمّل لأنّ الجمال كان متعشّق بها، فساتينٌ فساتينْ، بِدلٌ وطرابيش وأناس لا يبالون كثيراً بالميترو أو الترام، صورٌ لا همّ فيها ولا بكاء محبوس ولا عوادم في الأنفاس. الشوارع هادئة والفنادق كانت عالماً جديداً، كل شيء في الصور القديمة يحكي لك بدلاً من مدرّس التاريخ عن شكل الفنّ في ذلك العصر.
الصورة، تاريخٌ، وتعريفٌ دقيقٌ عن المشهد العام للمجتمع. المجتمع الذي نقش " ما تتركني هيك " على أغلب الحيطان التي رأيتها، فلا تتركه هيك يا عزيزي. لا تتركه هيك.
-
162/365
هل تخلو صورة واحدة تعرفها من كتابة على الحائط، جرافيتي مرسوم، زحمة في الشارع أو تكدّس في السيارات خانق، عمارات متهالكة ومثقلة بالتراب والزمان، الأناس أنفسهم يعلوهم التراب؟! هل تخلو صورة من الملابس الرثّة والملابس الماركة، من مشهد خاطف لميكروباص أو حتى نظرة عنيدة من قطّة لونها غدا رمادياً من عوادم السيارات وركل المشاة؟! هل ترى صورةً دون أن تلحظ التيه في العيون، أي عيون في الكادر، سواء كان التركيز عليها أو كانت عيون مهَمشة في الخلفية، سترى من خلالها التيه والهم وانقسام الظهر. هل تخلو صورة من " الإيشارب" والموبايلات المدسوسة تحتها؟! هذه هي صور هذا الزمان، سترى فيها ما يجعلها تتميز بكل أنواع العشوائية وسيتشارك ملتقطوها في ذات النظرة مهما اختلفت كادراتها.
أحبّ أن أتخيّل أن كل الصور التي تتقلب الآن أمامك في الفيسبوك وتويتر وإنستاجرام هي التاريخ، هي الصورة التي تعبر بالإنسان مستقبلاً إلى الماضي بشكله وهيئته، فيعلم الإنسان كيف بدا حاضرنا، كيف كانت الأزياء والسينما والحياة المحدودة المُتع والتسالي جزءاً من كل هذا.
يمكنك معرفة الفرق، المجتمع الذي اهتزت أركانه وانهارت عملته وقلّت بركته في الألفينيات كانت له صور أرشيفية منذ قديم الزمان لا عشوائية فيها، كادراتٌ رائقة، دون الكثير من التجمّل لأنّ الجمال كان متعشّق بها، فساتينٌ فساتينْ، بِدلٌ وطرابيش وأناس لا يبالون كثيراً بالميترو أو الترام، صورٌ لا همّ فيها ولا بكاء محبوس ولا عوادم في الأنفاس. الشوارع هادئة والفنادق كانت عالماً جديداً، كل شيء في الصور القديمة يحكي لك بدلاً من مدرّس التاريخ عن شكل الفنّ في ذلك العصر.
الصورة، تاريخٌ، وتعريفٌ دقيقٌ عن المشهد العام للمجتمع. المجتمع الذي نقش " ما تتركني هيك " على أغلب الحيطان التي رأيتها، فلا تتركه هيك يا عزيزي. لا تتركه هيك.
-
162/365
تعليقات
إرسال تعليق