170: يمامة بِيضا..
- ألو.. مرحباً.. أيبدو صوتي واضحاً؟ ألو..
- ألو ألو، نعم ألو، واضح وزي الفلّ، ألو..
كان نِفسي آخد الحريّة اللي بتمنّاها، الحريّة اللي تخليني عايشة من غير ما أحارب الضيق والحزن كلّ يوم كإنّي بحارب يأجوج ومأجوج لوحدي.
أعظم حاجة افتقدناها من ٨ سنين وداخلين في التاسعة هي الحرمان من بعد نعمة، كإنّك بتدوق المحشي للمرة الأولى في حياتك وبتدرك قد إيه هو شيء أيقوني بس تاني يوم بيحطوا قدامك عيش حافّ، وساعات بعد كرم يحطّولك معاه طماطم.
دوقنا النعمة، لمسناها على طراطيف لساننا، وفكرنا إنّ الخطوة الجاية إننا نستطعمها لفترة أطول، وأنّها هتكون موجودة في المطبخ طول الوقت، بس فكّرنا غلط. وده كان أقسى درس في التاريخ، على الأقل التاريخ اللي في مخيلتي.
- هاه، ما الأحوال؟
- أنتَ كيف الأحوال؟ أنا الحمدلله.
- هل ستغادرين قريباً؟
- أتمنّى، لكن إلى أين؟ وكيف؟
- إلى عندي. وكيف؟ همم.. بقدميكِ الطويلتين؟
- كفاكَ مزاحاً.
- أنا لا أمزح للضحك، أنا أمزح بالرسائل المبطّنة التي أجبن على التصريح بها. دعكِ من كل هذا وتعالي.
في كل مرحلة كنت بقنع نفسي فيها إنّنا لسا قادرين على السيطرة، كنت باخد على دماغي وأحسّ إنّ السيطرة هي اللي قادرة علينا ومتحكمة فينا وغالباً بتدّينا بالقفا في مكانٍ ما دلوقتي. كل مرة كنت ببقى عايزة آخد الباب في إيدي وأمشي بلا رجعة، كان بيبقى في ناس ساندة ضهري، وبتزقّني، وبتقوللي لو مشيتِ ما تخافيش، إحنا هنفضل سابقينك خطوة في الطريق عشان تتطمني. بس عمري ما سمعت: خدي حرّيتك.
- أودّ لو أتخفف من مثاقل كياني، التي تسحب مني رفاهية القرار، وإن لم تسحب القرار فحتماً ستسحب رفاهية التنفيذ.
- تعالي، افتحي الباب ولا تغلقيه بعدكِ، وتعالي.
- أتمنّى ألا أخسر أي شيء وأن أكسب الأشياء جميعها، لأنني أنانية ولم أحرر روحي.
- هي حرّة بالفعل.
- بل أسيرة تُعامل بلطف، فحسب!
لما تعرف جمالية الأشياء اللي ملهاش قواعد ولا كتالوج، ولما تجرّب بنفسك الغلط قبل الصح وتدوق من طبق الإتنين وتملك لنفسك حقّ المشاورة على أنهي واحد فيهم، لما تتمرد على كونك حشو كتاب مش متنه، ولما تحبّ تكون حشوه مش متنه، وفي الحالتين تقدر تكون اللي عاوزه. لما تنسى الشوم والضرب ولسعة الأسفلت عشان مبقيتش عايز تفتكرهم، ولما تنهار قصاد قلبك فتقرر تعود، لما تحبّ اللي شبهك مش مهم الباقي، ولما تسيب اللي شبهك عشان الحبّ مش باقي، لما تنام على كتفها ولما تقعدي معاه على القهوة، لما كل حاجة تكون بحريّة، لما النفس ميتحسبش عليك ولا الكلمة، لما كل حاجة تعادل الراحة، ولما كل فعلْ بتعمله يكون كإنّه اللافعل لإنّهم مش مهتمين يقيّموا أو مخوّلين يحكموا. لما تكون حرّ.
- إذاً يا أيتها الأسيرة العصفورة، فكّي جناحيكِ الخائفين عن جسدك.
- لأطير؟
- لألّا تعودي إلا وأنتِ يمامة بيضاء.
-
170/365
- ألو ألو، نعم ألو، واضح وزي الفلّ، ألو..
كان نِفسي آخد الحريّة اللي بتمنّاها، الحريّة اللي تخليني عايشة من غير ما أحارب الضيق والحزن كلّ يوم كإنّي بحارب يأجوج ومأجوج لوحدي.
أعظم حاجة افتقدناها من ٨ سنين وداخلين في التاسعة هي الحرمان من بعد نعمة، كإنّك بتدوق المحشي للمرة الأولى في حياتك وبتدرك قد إيه هو شيء أيقوني بس تاني يوم بيحطوا قدامك عيش حافّ، وساعات بعد كرم يحطّولك معاه طماطم.
دوقنا النعمة، لمسناها على طراطيف لساننا، وفكرنا إنّ الخطوة الجاية إننا نستطعمها لفترة أطول، وأنّها هتكون موجودة في المطبخ طول الوقت، بس فكّرنا غلط. وده كان أقسى درس في التاريخ، على الأقل التاريخ اللي في مخيلتي.
- هاه، ما الأحوال؟
- أنتَ كيف الأحوال؟ أنا الحمدلله.
- هل ستغادرين قريباً؟
- أتمنّى، لكن إلى أين؟ وكيف؟
- إلى عندي. وكيف؟ همم.. بقدميكِ الطويلتين؟
- كفاكَ مزاحاً.
- أنا لا أمزح للضحك، أنا أمزح بالرسائل المبطّنة التي أجبن على التصريح بها. دعكِ من كل هذا وتعالي.
في كل مرحلة كنت بقنع نفسي فيها إنّنا لسا قادرين على السيطرة، كنت باخد على دماغي وأحسّ إنّ السيطرة هي اللي قادرة علينا ومتحكمة فينا وغالباً بتدّينا بالقفا في مكانٍ ما دلوقتي. كل مرة كنت ببقى عايزة آخد الباب في إيدي وأمشي بلا رجعة، كان بيبقى في ناس ساندة ضهري، وبتزقّني، وبتقوللي لو مشيتِ ما تخافيش، إحنا هنفضل سابقينك خطوة في الطريق عشان تتطمني. بس عمري ما سمعت: خدي حرّيتك.
- أودّ لو أتخفف من مثاقل كياني، التي تسحب مني رفاهية القرار، وإن لم تسحب القرار فحتماً ستسحب رفاهية التنفيذ.
- تعالي، افتحي الباب ولا تغلقيه بعدكِ، وتعالي.
- أتمنّى ألا أخسر أي شيء وأن أكسب الأشياء جميعها، لأنني أنانية ولم أحرر روحي.
- هي حرّة بالفعل.
- بل أسيرة تُعامل بلطف، فحسب!
لما تعرف جمالية الأشياء اللي ملهاش قواعد ولا كتالوج، ولما تجرّب بنفسك الغلط قبل الصح وتدوق من طبق الإتنين وتملك لنفسك حقّ المشاورة على أنهي واحد فيهم، لما تتمرد على كونك حشو كتاب مش متنه، ولما تحبّ تكون حشوه مش متنه، وفي الحالتين تقدر تكون اللي عاوزه. لما تنسى الشوم والضرب ولسعة الأسفلت عشان مبقيتش عايز تفتكرهم، ولما تنهار قصاد قلبك فتقرر تعود، لما تحبّ اللي شبهك مش مهم الباقي، ولما تسيب اللي شبهك عشان الحبّ مش باقي، لما تنام على كتفها ولما تقعدي معاه على القهوة، لما كل حاجة تكون بحريّة، لما النفس ميتحسبش عليك ولا الكلمة، لما كل حاجة تعادل الراحة، ولما كل فعلْ بتعمله يكون كإنّه اللافعل لإنّهم مش مهتمين يقيّموا أو مخوّلين يحكموا. لما تكون حرّ.
- إذاً يا أيتها الأسيرة العصفورة، فكّي جناحيكِ الخائفين عن جسدك.
- لأطير؟
- لألّا تعودي إلا وأنتِ يمامة بيضاء.
-
170/365
تعليقات
إرسال تعليق