179: لم يتخيّل أحد..
أشعرُ بالأسى على أهالينا الذّين جلبونا لهذه الحياة دونما تخيّل أن الأمور ستؤول بنا إلى الهاوية بكل هذه السرعة، كأننا ركبنا شهاباً يسقط من السماء، هبوطٌ سريع يقطع ملايين السنين الضوئية في ثوانٍ، هكذا كان انحدارنا نحو الهاوية. ورغم أنّه باستطاعتي أن أرمي كل اللوم والعتاب على أكتافهم، على بطون الأمهات اللائي حملننا، على الشهوة والرغبة والإستمتاع وليالي الخميس، لكنني أفضّل ألا أفعل. من توقّع بربّكم أن يحلّ بنا كل هذا الجور والحزن و ما يجزع له الخيال!
ولادة طفلٍ في هذا الزمان فعلٌ غير مسؤول لأنانيّته وكثرة مساوئه، لأنك على الأغلب بصدد إنجاب طفل سيواجه انحداراً أشدّ انحرافاً في المستقبل، انحدارٌ قد يهدد أمنه، أفكاره، مبادئه، هذا إن استطاع أن يصنع بعضاً منها في خضمّ مسرحية الفتن الكاملة التي نعايشها وتعايشنا بشكل يوميّ.
بالطبع لم يتخيّل أحد أننا سنصل لزمان، تسير فيه النساء في مصر غير آمنة، وغير قادرة على الإستناد على رجل غريب تتأمل فيه الشهامة لأنّ للشهامة ثمن غالي الآن. لم يتخيّل أحد أن يقفز أحد من القطار لإنّه لا يملك حقّ الأجرة، وكذا يتركه الركّاب لمواجهة قدره المجهول كأن لا شيء يحدث من الأساس. لم يتخيّل أحد أنّ ثورةً ما ستقوم، أو على الأقل ستنهض، أينعم ستُضرب بالشوم على أسفل رأسها حتى تفقد الوعي والإدراك فتروح في غيبوبة طويلة، إّلا أنها قامت. لم يتخيّل أحد أن يسير الناس في الشارع كلهم بلا استثناء، فقراء. مهما تغيّرت صفات ملابسهم وطابعها وما توحي به، كلهم يتشاركون ذات الفقر، أو حتى ذات السرعة في التوجّه إليه.
للأهالي مسؤولية لا أعفيها، كان بإمكانهم إنقاذنا بألّا يجلبونا من الأساس. كان بإمكانهم ألا يُجرّبوا النرد فوق رؤوسنا، وأن يتصالح العالم مع وجودنا بشكل أكثر سلمية وطمأنينة. أنا لم أعد أجد طمأنينة يا أمي، وما عاد السير في الشارع منفذاً، وبتّ أشعر أن المدينة كلها سجن كبير، بل وأن البلد برمّتها مغلّقة بباب حديديّ وأقفال هائلة. جعلت أتكلمّ مع من أعرفهم خوفاً من نفسي، متسائلة ربّما أنا لوحدي في هذا الأمر، بينما لا أكون كذلك!
نحنُ توّرطنا في الحياة. أو بالأحرى ورّطت الحياة والديْنا، فبات المكوث مُكلّفاً.
-
179/365
ولادة طفلٍ في هذا الزمان فعلٌ غير مسؤول لأنانيّته وكثرة مساوئه، لأنك على الأغلب بصدد إنجاب طفل سيواجه انحداراً أشدّ انحرافاً في المستقبل، انحدارٌ قد يهدد أمنه، أفكاره، مبادئه، هذا إن استطاع أن يصنع بعضاً منها في خضمّ مسرحية الفتن الكاملة التي نعايشها وتعايشنا بشكل يوميّ.
بالطبع لم يتخيّل أحد أننا سنصل لزمان، تسير فيه النساء في مصر غير آمنة، وغير قادرة على الإستناد على رجل غريب تتأمل فيه الشهامة لأنّ للشهامة ثمن غالي الآن. لم يتخيّل أحد أن يقفز أحد من القطار لإنّه لا يملك حقّ الأجرة، وكذا يتركه الركّاب لمواجهة قدره المجهول كأن لا شيء يحدث من الأساس. لم يتخيّل أحد أنّ ثورةً ما ستقوم، أو على الأقل ستنهض، أينعم ستُضرب بالشوم على أسفل رأسها حتى تفقد الوعي والإدراك فتروح في غيبوبة طويلة، إّلا أنها قامت. لم يتخيّل أحد أن يسير الناس في الشارع كلهم بلا استثناء، فقراء. مهما تغيّرت صفات ملابسهم وطابعها وما توحي به، كلهم يتشاركون ذات الفقر، أو حتى ذات السرعة في التوجّه إليه.
للأهالي مسؤولية لا أعفيها، كان بإمكانهم إنقاذنا بألّا يجلبونا من الأساس. كان بإمكانهم ألا يُجرّبوا النرد فوق رؤوسنا، وأن يتصالح العالم مع وجودنا بشكل أكثر سلمية وطمأنينة. أنا لم أعد أجد طمأنينة يا أمي، وما عاد السير في الشارع منفذاً، وبتّ أشعر أن المدينة كلها سجن كبير، بل وأن البلد برمّتها مغلّقة بباب حديديّ وأقفال هائلة. جعلت أتكلمّ مع من أعرفهم خوفاً من نفسي، متسائلة ربّما أنا لوحدي في هذا الأمر، بينما لا أكون كذلك!
نحنُ توّرطنا في الحياة. أو بالأحرى ورّطت الحياة والديْنا، فبات المكوث مُكلّفاً.
-
179/365
تعليقات
إرسال تعليق