181: انتخابات ذاتوية
أعلمُ جيّداً كم كانت ستختلفُ الأمور لو ذهب كل واحد منّا في الطريق الذي اختاره، الذي تراءت له فيه نفسه لا كوهمٍ بل كضوءٍ ساطع سطوع الشمس في عزّ الضهر. ولأننا لا نُعايش الحياة من المسلك الذي يجب أن تُعاش من خلاله، اختلّت كل موازين الإختيار والقرار وباتت حيوات الجميع نُسخةٌ مستنسخة من بعضها الآخر، دون أيّما بوادر شجاعة لتغييرها. ولا ملام بالطبع، فمن قرر أن يحيد عن القافلة جلبوه مذلولاً مُهاناً بالشتائم والتجاوزات الكاذبة، ليعلّقوه في ميدان فيسبوكيّ عام لا رحمة فيه ولا عدل ولا حتى حقائق كاملة.
كان بودّي أن أعايش الإختلاف الجميل، الذي يصنع بيئة كاملة مسالمة ومتوازنة من كل شيء، لكن يأبى مجتمعنا إلا الإنغماس في الفرقة واللاجمعية. من أنتَ لنتقبّلك بكل سلاسة ؟ أتظنّ نفسك سياسياً فاسداً أو حاكماً أو حتّى شخصاً بالكاد يملك أخلاقاً؟ نحن نتقبل هؤلاء فقط، لأننا لا نخاف دونما ذلك. فما الذي يجمع الأفئدة سوى الخوف!
وللإختلاف وجهٌ آخر، وجه أكثر قسوة وأشدّ عنفاً، ويكون رحلة لضبط الذات وشهواتها وانفعالاتها مهما انفلت زمامها. وأتخيّل أنّ أمراً كهذا لن يكون بالصعوبة التي صّدرت إلينا حتى نكره من يمتازون عنّا بصفاتٍ ما، لأننا سننشأُ منذ الأزل على أن نتقبّل كل ما يمرّ بطريقنا، وألا نتقبّل كل من يعترضه بأذية أو شرّ.
في الواقع، تخيّل أنّ من يعمل طبيباً سيكون مُحبّاً وقانعاً بمهنته، بل ويرقى فيها بشغفٍ تامّ ودأب لا يهدأ، وأنّ من يعمل خبّازاً يذوب في رائحة الزبدة والفانيلا ورذاذ الطحين كل صباح، وأنّ مخبزه الصغير يجلب له سعادة سرمديّة مهما تحاملت عليه الأيام، وأنّ من يعمل طبّالاً في فرقة موسيقية مغمورة يشعر أنّه على قيد الحياة كلما أمسك العصيان الخشبية ورمى بكامل فؤاده على طبلته المُتأهبة، وأنّ من يعمل كاتباً يعمل كاتباً فحسب، لا يُطرّف المهنة أو ينحّيها لأنّ لا مجال أن يعطيها أكثر من وقتٍ إضافيّ في ماتش حياته الذي لا ينتهي.
تخيّل أنْ عَمِل كل أولئك في ما يسعون إليه، وأن رحلة السنين باءت بالوصول حتى وإن لم تبؤ بالنجاح الساحق. تخيّل أن عمراً كان له أن يُختصر من الضياع في الإقناع والتحايل والمحاولة الجنونيّة للموازنة والتحوّل إلى " سوبر هيرو " بإمكانه دمج الكثير من الحيوات في حياة واحدة، فقط لأنّ أحداً لم يتركهم لحال سبيلهم ولا المجتمع أهداهم حقّ التصويت في انتخابات أنفسهم.
-
181/365
كان بودّي أن أعايش الإختلاف الجميل، الذي يصنع بيئة كاملة مسالمة ومتوازنة من كل شيء، لكن يأبى مجتمعنا إلا الإنغماس في الفرقة واللاجمعية. من أنتَ لنتقبّلك بكل سلاسة ؟ أتظنّ نفسك سياسياً فاسداً أو حاكماً أو حتّى شخصاً بالكاد يملك أخلاقاً؟ نحن نتقبل هؤلاء فقط، لأننا لا نخاف دونما ذلك. فما الذي يجمع الأفئدة سوى الخوف!
وللإختلاف وجهٌ آخر، وجه أكثر قسوة وأشدّ عنفاً، ويكون رحلة لضبط الذات وشهواتها وانفعالاتها مهما انفلت زمامها. وأتخيّل أنّ أمراً كهذا لن يكون بالصعوبة التي صّدرت إلينا حتى نكره من يمتازون عنّا بصفاتٍ ما، لأننا سننشأُ منذ الأزل على أن نتقبّل كل ما يمرّ بطريقنا، وألا نتقبّل كل من يعترضه بأذية أو شرّ.
في الواقع، تخيّل أنّ من يعمل طبيباً سيكون مُحبّاً وقانعاً بمهنته، بل ويرقى فيها بشغفٍ تامّ ودأب لا يهدأ، وأنّ من يعمل خبّازاً يذوب في رائحة الزبدة والفانيلا ورذاذ الطحين كل صباح، وأنّ مخبزه الصغير يجلب له سعادة سرمديّة مهما تحاملت عليه الأيام، وأنّ من يعمل طبّالاً في فرقة موسيقية مغمورة يشعر أنّه على قيد الحياة كلما أمسك العصيان الخشبية ورمى بكامل فؤاده على طبلته المُتأهبة، وأنّ من يعمل كاتباً يعمل كاتباً فحسب، لا يُطرّف المهنة أو ينحّيها لأنّ لا مجال أن يعطيها أكثر من وقتٍ إضافيّ في ماتش حياته الذي لا ينتهي.
تخيّل أنْ عَمِل كل أولئك في ما يسعون إليه، وأن رحلة السنين باءت بالوصول حتى وإن لم تبؤ بالنجاح الساحق. تخيّل أن عمراً كان له أن يُختصر من الضياع في الإقناع والتحايل والمحاولة الجنونيّة للموازنة والتحوّل إلى " سوبر هيرو " بإمكانه دمج الكثير من الحيوات في حياة واحدة، فقط لأنّ أحداً لم يتركهم لحال سبيلهم ولا المجتمع أهداهم حقّ التصويت في انتخابات أنفسهم.
-
181/365
تعليقات
إرسال تعليق