187: نباطشيّة

بعد كل نباطشية في المستشفى، وهي كما يسمّيها طاقم الأطباء والممرضين هناك أحياناً بالنُبتجية بدلاً من النباطشية، أفكر صدقاً في جدوى وجودي هنا الآن! ماذا أفعل أنا؟! ولمَ يضيع الوقت هنا بين هذه الجدران؟!

الآن مثلاً، تنهار قواي وتخور مفاصلي، بعد اثنتا عشرة ساعة من العمل، تحولّت لشِبه إنسان، الطرحة ملاصقة لفروة رأسي، وكأنّها تُحكم قبضتها على شعري، عيناي بالكاد تنفتحان وتتباعد الجفون، عظامي تطقطق بين الحين الآخر، منبه صباح الغد ينظرُ إليّ بشماتةٍ غير مفهومة، كل هذا يتزامن مع خبرٍ جديد قرأته عن بلاد الوقواق والريبوتات التي قللت ساعات العمل لأربع ساعات يومية فزادت الإنتاجية بنسبة ٤٠٪؜!

ماذا نفعلُ هنا بحقّ السماء! يتمّ التعامل معنا كأننا بقرٌ يُحلب. نعم. هات كل ما عندك، كلّ كلّ كلّ ما عندك، ثم مُت، إمّا لشدّة العطاء وإما لانتهاء المخزون. في كلتا الحالتين، لا نهتم، غيرك الملايين. حرفيّاّ.
المجال الطبّي صعب في العموم، لم يكن يوماً مجالاً سهلاً ولن يكون، نعلمُ هذا جيّداً عندما نصبح جزءًا منه وحتى قبل أن نكون، لكن في بلادنا أمورٌ أشدّ بشاعة من كل ما عرفناه، وفي القوانين نخرٌ عمقُ الأثر، و" اللي عنده دمّ أحسن من اللي عنده فلوس " والله.

تخيّل ماذا سيحدث لمنظومة الصحة في مصر إذا فكّرت أن تضائِل عدد ساعات العمل؟ فقط تخيّل! أعلم.. لأنّ لا شيء يُدعى بمنظومة الصحة في مصر من الأساس.

-

187/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا