195: مُعضلة: "ده كتير عليّا"
هل يُمكنني البدء في رُوايتي الآن؟ هل يجب عليّ ذلك؟ هل فاتني الميعاد؟ ماذا لو اكتشفتُ في نهاية الأمر أنّني غير قادرة على كتابة رواية، وأنّ ما أكتبه هنا وما أدوّنه هناك، مجرد هراء، آثارُ بعضُ طيور تحطّ على الأرض لثوانِ ثم تعود إلى السماء، حيث لا يراها أحد! لا أعلم.
يا لها من مُعضلة دائمة للإستحقاق. ماذا نفعل لأنفسنا كي نرضى عنها؟ وكم يجب علينا البذل حتّى نقنع أنّ المرّة القادمة هي للأخذ، المرة القادمة لنا، وأننا - دون ذرّة شكّ - نستحقّها! ولكم من السنين سنتعلّم الدروس حتى نصل للحظة التي نكفّ فيها عن الهرولة، ونقول بملئ أفئدتنا: هذا ما ارتضيناه لأنفسنا.
في الأعوام القادمة، لا أريد أن أزداد تشككاً، أريد أن أرتاح أكثر، أريد أن أنظر إلى نفسي في المرآة وكلّي يقين بما أنا عليه، حتّى وإن كنتُ أجهل الكثير، لا بأس، أريد أن أتقيّن من جهلي هذا، أريد أن أدرك أين أقف ومن يقف كتفًا بكتفٍ معي. أريدُ أن يكون أحدٌ معي. أريدُ أن أكون أنا بكامل هدوئي وانعزالي وأحدٌ معي. أريدُ أن أعرف نفسي، أن أئتلف شعري ووجهي وعيناي وشفتاي وأنفي، أريدُ ألّا يُغضبني جسدي، أريدُ أن أحبّ هالاتي السوداء، منحنيات جسدي، جلدي الذي يتلون كما يريد، خطوط التمدد البيضاء التي تغزوني كآثار حرب فقط لأنني أردت خسارة بعض الوزن أو حتّى اكتسابه. أريدُ أن أكون قد وصلت لما أريدُ من هذه الحياة ومن نفسي، للمقدار الدقيق من الحبّ الذي يجعل النسيان والعشق على قدرٍ واحد من البعد، رغم أن كلّاً منهما في مجابهة الآخر على دفّتي نهر الفرات.
أريدُ أن أستيقظ في الصباح قلبي نصفه حيّ ونصفه الآخر يتشوّق للحياة. أريدُ كل شيء، دون أن أبالي للمنطق والعقل وتوزيع الأرزاق. وأريد اللاشيء حتّى لا تعتليني المسؤوليات والهموم والعدل المقرون بتوزيع الأرزاق. أريدُ ضمانةً لإبتسامتي على كل الأحوال.
وللمصادفة الغريبة أتذكّر صوتَ بابا وهو يحكي لي عن ليلة إعتزال بيبو، مُقلّداً لدغته وحشرجته في البكاء مُحاولاً الكلام:" ده كتير عليّا، كتير عليّا."
كل " أريد " في صراع مع " أستحق "، كل تلك الرغبات الجامحة المنطقيّة بالمناسبة، تقف مهزوزة ومضطربة أمام الجملة الأكثر جلبًا للأرق: "هو أنا أستاهل كل ده أصلاً؟ هو كتير عليّا؟! "
-
195/365
يا لها من مُعضلة دائمة للإستحقاق. ماذا نفعل لأنفسنا كي نرضى عنها؟ وكم يجب علينا البذل حتّى نقنع أنّ المرّة القادمة هي للأخذ، المرة القادمة لنا، وأننا - دون ذرّة شكّ - نستحقّها! ولكم من السنين سنتعلّم الدروس حتى نصل للحظة التي نكفّ فيها عن الهرولة، ونقول بملئ أفئدتنا: هذا ما ارتضيناه لأنفسنا.
في الأعوام القادمة، لا أريد أن أزداد تشككاً، أريد أن أرتاح أكثر، أريد أن أنظر إلى نفسي في المرآة وكلّي يقين بما أنا عليه، حتّى وإن كنتُ أجهل الكثير، لا بأس، أريد أن أتقيّن من جهلي هذا، أريد أن أدرك أين أقف ومن يقف كتفًا بكتفٍ معي. أريدُ أن يكون أحدٌ معي. أريدُ أن أكون أنا بكامل هدوئي وانعزالي وأحدٌ معي. أريدُ أن أعرف نفسي، أن أئتلف شعري ووجهي وعيناي وشفتاي وأنفي، أريدُ ألّا يُغضبني جسدي، أريدُ أن أحبّ هالاتي السوداء، منحنيات جسدي، جلدي الذي يتلون كما يريد، خطوط التمدد البيضاء التي تغزوني كآثار حرب فقط لأنني أردت خسارة بعض الوزن أو حتّى اكتسابه. أريدُ أن أكون قد وصلت لما أريدُ من هذه الحياة ومن نفسي، للمقدار الدقيق من الحبّ الذي يجعل النسيان والعشق على قدرٍ واحد من البعد، رغم أن كلّاً منهما في مجابهة الآخر على دفّتي نهر الفرات.
أريدُ أن أستيقظ في الصباح قلبي نصفه حيّ ونصفه الآخر يتشوّق للحياة. أريدُ كل شيء، دون أن أبالي للمنطق والعقل وتوزيع الأرزاق. وأريد اللاشيء حتّى لا تعتليني المسؤوليات والهموم والعدل المقرون بتوزيع الأرزاق. أريدُ ضمانةً لإبتسامتي على كل الأحوال.
وللمصادفة الغريبة أتذكّر صوتَ بابا وهو يحكي لي عن ليلة إعتزال بيبو، مُقلّداً لدغته وحشرجته في البكاء مُحاولاً الكلام:" ده كتير عليّا، كتير عليّا."
كل " أريد " في صراع مع " أستحق "، كل تلك الرغبات الجامحة المنطقيّة بالمناسبة، تقف مهزوزة ومضطربة أمام الجملة الأكثر جلبًا للأرق: "هو أنا أستاهل كل ده أصلاً؟ هو كتير عليّا؟! "
-
195/365
تعليقات
إرسال تعليق