200: الوجه الحسن

كلّما واجهتني صورةٌ من حرب أو انتفاضة أو حركة سياسيّة لا أجدُ إلا نساءً حسناوات ورجال شديدو الوسامة، تتكتّل أجسامهم بالعضلات ولهم طلّة جذّابة. دائمًا ثمة صورةٌ لطفلٍ أشقرٍ غجريّ - كصورةٍ نمطيةٍ للتمرّد- بعينين سماويتيّن أو لوزيّتين بلون الزيتون - لأنّ ذلك أيضًا له إسقاطات على حقّ الأرض في شجرة الزيتون- وجمالٌ ثاقبٌ لا تُخطؤه العين.

عندما انتشرت صورةٌ لفتاةٍ فلسطينية منذ بضعة أشهر والتي بالمناسبة لا داعي لذكر اسمها لأنه لا دخل لها في كونها تطابق معايير الجمال " الثوريّة " في العالم- قام العالم ولم يقعد، ويثير ذلك في نفسي حفيظةً أعلمُ أنها على الأغلب أثيرت بداخلك كذلك: لمَ هي دونًا عن الجميع؟ أو للدقة لمَ الجميلات دونًا عن الجميع؟

وبعيدًا عن كون القوّة منبعٌ متفجّر للكينونة والفكر فتصوّره العيون، وأنّ الإنسان بالطبع لن يُخطىء عروق المتمردين التي تقفز من تحت جلودهم كلما هتفوا أو صرخوا في وجه الظلم، إلا أن الجمال دائمًا ما يأخذ النضال إلى منحنىً آخر، وكأنّه يُكرّمه، يضع على رأسه تاجًا من النضال المضاعف، لا لإنّ شجاعته ضُربت في اثنين بل لأنّه اكتسب السلاح الأقوى على الإطلاق: الوسامة.

لكن، من يبالى للعاديين، أمثالنا، وأمثالُ الآخرين، الذّين لم يُكتب لهم من الوسامة والجمال والجاذبية القدر الكبير؟! لم تجتمع عليهم شعوبٌ ومحطّات أخبار ومنابرٌ تلفزيونية، لم يلتفّ حولهم مجلس الدول العربيّة ولا رؤساء الدول ولا حتّى المجتمع المدنيّ، لم يلتفت إليهم أحد، مات من مات، سُجن من سُجن، ولا داعي " لوجع الدّماغ".

العالم يتكلّم لغةً واحدة: الوجه الحسن. الوجه الحسن الذي يبكي وينتحب، الوجه الحسن الذي تتراسم فيه آثار البهاق، الوجه الحسن لجسمٍ له أطرافٌ مبتورة، الوجه الحسن تحت الحطام وتحت الدم الدافئ، الوجه الحسن دائمًا وأبدًا. ولأن لا أحد شارك في اختيار تفاصيل وجهه، فليس العيب على الجمال ولا على أصحابه ولا على أصحاب الصوت العالي، بل على الجنون الإعلاميّ الإنتقائي، الذي لم يترك فرصةً لمشاركة أي قصة ولا لظهور أي وجهٍ آخر سوى، الوجه الحسن.

-

اليوم، وبهذه التدوينة الغير متوقعة، أنهيت المئة الثانية على التوالي خلف وخلال حروف هذه المدوّنة. باقي مئة وخمسة وستون يومًا آخرين، اقتربت الرحلة على الإنتهاء. أو البدء.

-


200/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا