204: يا للحرج!

في كلّ مرّة رغبتُ فيها بالبكاء خلال العشرة شهور الأخيرة، انتابني فيضٌ من الخجل. أخجل لأنني في الخامسة والعشرين من عمري ويعتبريني البكاء أمام شبّاك الصيدلية الخارجيّة في المستشفى عندما يدعو لي أحدهم بالستر والصحّة، أوّ يثني عليّ فيما يبدو لي شكوى من مستوى موظفي الصحّة في الحكومة عندما يقول: " هو إنتٍ بتكتبي على الدوا؟ الله يباركلك." أصبحت الكتابة على الدواء رفاهية يسعى لها المريض! رفاهيةٌ لا يُقدمها له الجميع.

في الحقوق، لا يتحدّث أحدٌ بصوتٍ عالٍ، وأعلمُ الأسباب -ولندبةٍ في القلب- أفهمها كذلك. وكل طرف نزاع قد يحمل الذنب وقد يُحمّل الذنب. لكنني أحاول. أحاول أن أستفتِ قلبي وأفعل ما يُمليه عليّ.

إنني أتذكّر جيّداً المرة الأولى التي سمعت فيها جملة " استفتِ قلبك ". كانت في مسلسل بنت من شبرا، حيثُ كانت ليلى علوي ترقد في سريرها تصارع الموت وأطلّ عليها حفيدها الذي اعتقدت أنّه ضاع منها في غياهبٍ من الفكر والتوجهات السياسية إلى اللاعودة. ثمّ ألقت عليه خطاباً طويلاً مخضّباً بالبكاء لا أتذكّر منه سوى جملةٍ واحدة، " استفتِ قلبك ". بالكاد لم أكن تجاوزت الثانية عشر من عمري، لكن ظلّت تلك الجملة حتى عامي الخامس والعشرين ترنّ في ذاكرتي.

ينتابني خجلٌ من أن أبكي ثلاثة مرات، كلّ مرة فيها على قطّ ملقى على جانب الطريق أو في منتصفه. وأعلم أنّ شخصًا ما سيفكّر في الكلمة التي طرأت في ذهنك الآن: " هرمونات ". لكنّني -ورغم يقيني أن الهرمونات على الحياد فتتقافز في جسد الرجل كالمرأة- إلا أنّ لحظاتٍ كتلك ليست هرموناتيّة، إنّها لحظة ارتطام الواقع بجدار الروح. نعم خمسة وعشرون عامًا لم يكونوا وسادة هوائية لحمايتك من الصدمات، لم يكونوا كافيين لتعريفك على الواقع، ولم يكونوا مصلًا فعّالاً لتقليل الإصابة بحزن العالم في شرايينك.

ثمّ انتابني حرجٌ لأن أكون بكل هذا الوهَن وأنا التي اعتقدتُ أنّ قوةً ما تنبع من داخلي!

-

204/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا