208: القراءةُ تُنقذك..

سأجتمع قوايَ وكلماتي لأكتبُ عن مدى براعة إيمان مرسال وعن عمق الدفء والشجن اللذان يتخللان كتاباتها، بشكل يجعل وصف هذا القدر من التفرّدِ أمرًا ليس سهلًا على الإطلاق، لكن ليس اليوم.


أستمتع بالقراءة هذه الأيام أكثر من المعتاد، قلّ كلامي واندماجي في العالم بطبيعة الحال، أبحثُ بخيالي عن حلّ للأزمة العالقة فيها، أتلهّف للقراءة وأشتاقُ أحيانًا للعودة للمنزل حتّى تتسنّى لي فرصة أن ألتفّ بغطائي البارد الذي تدفّؤه حرارة جسمي، شعري يتدلى على كتفي، أمسك بكتابي دون عناء أو تفكير.

عندنا يتحدّث أحدٌ عن الكتب وكيف أنقذت حياته، أشعرُ بارتباط نفسيّ معه كأنني أعلمُ تحديدًا ما يتكلم عنه. وإنّ زخم القراءات السنويّة ليس مقياسًا ليقيّم حبّك للكتب، بل هو مقياسٌ لمدى صبرك على الكتب، وكم احتاجت منك حالتك النفسية من معافرة لكي تستمرّ في إمساك كتابك.

تقول ندى الشبراوي - صاحبة قناة دودة كتب على اليوتيوب- بما معناه أن القراءة ليست فعلًا مرتبطًا بحالتك النفسيّة، وهذا ما بتّ أشعر به. لا يهمّ ما هي حالتي النفسية، فأنا أقرأ على كل الأحوال، لكن يهمّني أحبانًا أين أكون. أحبّ البيت وأحبّ القراءة فيه، وعندما أكون في الخارج لفتراتٍ طويلة من يومي، أقرأُ وأنا غير مرتاحة، كشعوري في ملابسي، ما لم تكن بيجامة ملمسها ناعم، فهي ملابس غير مريحة بالنسبة لي. أو كشعوري وأنا أدخل حمامًا ما خارج المنزل، أكون مضطرة لذلك، وقد لا تكون التجربة سيئة بالضرورة، لكنّه يظلّ حمام غير حمام منزلي الذي أعرفه، الذي أحفظ قوة مائه وأين تُحفظ المناديل وإلى من تحديدًا تنتمي الصابونة الزهرية والصابونة البيضاء، ثمّ لا تُخطؤني منشفتي، تعرفني من الرائحة. كل هذا الشعور الدافىء بالمعرفة المسبقة والذكريات المحفوظة لا أجدها إن أمسكت كتابًا في أي زاوية سوى المنزل.

كتبت إيمان مرسال مذكراتها، كما ستعرف من خلال كتاب "عن الأمومة وأشباحهها" والذي سأجعلكم تضيقون ذرعًا به حتّى تتمون قراءته. ورغم كتابتها لمذكّراتها على الدوام - في مجمل الأيام- إلا أنّها اختارت أيامًا بعينها، أجزاءًا معينة من أيام بعينها لتُضّمنا كتابها. وذلك جعلني أفكّر في كمّ الهراء الذي كتبته هنا! مئتان وثمانية يوم - بما فيهم اليوم- حتمًا قد تضمنّوا الكثير من الهراء النفسيّ والدردشات اليوميّة والسقطات الواضحة!
 لكنّ قدرة مِرسال على الإختزال لتربط بين السنون ونقل الألم من خلالها بسلاسة كنقل الصوت بين ذرّات الهواء، تجعلني أؤمن بأنّ كل ما يكتب ليس مقدّرًا للقراءة، وأنّ التدوين ليسَ فعلًا جماعيّاً وإن كانت مشاركته جميلة وتجعل الحياة أقل صعوبةً أحيانًا.

المهم أنّ هذا ما يخطرُ في بالي الآن.. وهذا ما أردت كتابته فحسب.. تُصبحون على خير..

-

208/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا