209: نعومة مضطربة
أتحفّز لمن أحبّهم، وأقفُ لهم في مواجهة الحياة، أبرّر لمن يتقافزون حولهم كالسباع سرّ نزيفهم، ثم أتواقح فيمن يتبجّحون في وجوههم، وأركلهم بين أرجلهم - إناثًا كانوا أم ذكورًا- ليبتعدوا عنهم لأن لا مجال للنعومة الآن.
في الطفولة كان لي شعر قصير وناعم وأسود، وفي نهاياته أمواج خفيفةٌ تُنبّؤ عن شعرٍ له شخصية. كنتُ أحبّ كرة القدم، وكانت في ذلك الحين تمتاز بذكوريّتها المعهودة، لم تكن النسوية ذات صوتٍ مسموع كالآن ولم أكن أنا أفهم ما النسوية أصلًا. كان لأبي صديقٌ جميل، طويل وأسمرٌ وله ضحكة خاطفة. بيني وبين السمر ذوي الضحكات الخاطفة قصة حبّ بسبب أبي، المهم أنّه كان صديق أبي المفضّل لي، وكنتُ أنا طفلته المفضّلة كذلك، جمعتنا كرة القدم وذكورتي المبكّرة في الأفعال. هكذا ظننتُ في نفسي، أنني أتعامل كالأولاد، لكن كل ما كان في الأمر أنني أتعامل كالفتيات أصلًا، وهو أنني أتعامل كما أريد، ولذا اعتقدها الجميع ذكورة.
لي صورٌ كثيرةٌ معه، نمسك الكرة، نلعب بالكرة، نُراوغ بالكرة. المهم أنّه والكرة وأنا في إطار واحد. في تلك الأثناء من طفولتي، لم أكنْ أتقن التعامل مع عنجهية الذكور، حتى وهم أطفال يملكون عنجهيّة عجيبة، كانت هذه بداية صدامي معهم. اجتهادهم المستمرّ في تلميع جلودهم حتى يعكس ضوء الشمس متى ما سقط عليهم شعاع منه كان يُرهق تفكيري. وكنتُ أحبّ متى ما امتدت عنجهيتهم لعتبة ذاتي، لأغلق في وجهها الباب.
في تلك الأثناء كان يمارس الأطفال ذكوريتهم على بنات أعرفهم، سواء في لعبنا في الساحة أمام ديار جدّي أو عندما كنا في المراهقة تشدّنا رغباتنا العاطفية تجاه المرضى النفسيين أو المخادعين أو حتَى عندما أصبحنا كِباراً بما يكفي لنعرف الخداع من الحقيقة ولكننا نصرّ على أن نختار اختيارات مهترئة مخافة الوحدة.
لا أحبّ أن يأذي أحدٌ من أحبهم، حتّى أنفسهم، حتّى وإن آذيتُ نفسي في خضمّ هذا دون وعي مني. وأشعرُ أحيانًا أن تلك ليست بشجاعة وإنما بوادر اضطراب.
لا شيء في هذه الحياة يجب أن يفوقك، أن يجعلك تنظر لنفسك دائمًا من مقام أقل من المقام الأول. يمكنك أن تذهب من أجل من تحبهم لمسافات بعيدة، وأن تحميهم، وأن تقف من أجلهم كمحامٍ عريقٍ مخضرم وأنتَ في الأساس سجينٌ في رواية أحدهم أو رواية نفسك، أن تذوب كالحديد حتّى لا تحرقهم النار بمفردهم. يمكن أن تفعل كل هذا، لكن أن تعي أن تلك ليست شجاعتك، لا أدري ما هي، لكنها ليست كذلك.
تحوّلت طاقتي الدفاعية تلك وتمحورت في أشكال أكثر نضجًا. لكنّها ما زالت متحفّزة وحيّة. ومازلت أنفعل وأقف لأبرر وأتواقح وأركل، لكنني أعطيتُ مجالاً للنعومة لتأخذ أشكالًا دفاعيةً كذلك، ولم تخذلني.
-
209/365
في الطفولة كان لي شعر قصير وناعم وأسود، وفي نهاياته أمواج خفيفةٌ تُنبّؤ عن شعرٍ له شخصية. كنتُ أحبّ كرة القدم، وكانت في ذلك الحين تمتاز بذكوريّتها المعهودة، لم تكن النسوية ذات صوتٍ مسموع كالآن ولم أكن أنا أفهم ما النسوية أصلًا. كان لأبي صديقٌ جميل، طويل وأسمرٌ وله ضحكة خاطفة. بيني وبين السمر ذوي الضحكات الخاطفة قصة حبّ بسبب أبي، المهم أنّه كان صديق أبي المفضّل لي، وكنتُ أنا طفلته المفضّلة كذلك، جمعتنا كرة القدم وذكورتي المبكّرة في الأفعال. هكذا ظننتُ في نفسي، أنني أتعامل كالأولاد، لكن كل ما كان في الأمر أنني أتعامل كالفتيات أصلًا، وهو أنني أتعامل كما أريد، ولذا اعتقدها الجميع ذكورة.
لي صورٌ كثيرةٌ معه، نمسك الكرة، نلعب بالكرة، نُراوغ بالكرة. المهم أنّه والكرة وأنا في إطار واحد. في تلك الأثناء من طفولتي، لم أكنْ أتقن التعامل مع عنجهية الذكور، حتى وهم أطفال يملكون عنجهيّة عجيبة، كانت هذه بداية صدامي معهم. اجتهادهم المستمرّ في تلميع جلودهم حتى يعكس ضوء الشمس متى ما سقط عليهم شعاع منه كان يُرهق تفكيري. وكنتُ أحبّ متى ما امتدت عنجهيتهم لعتبة ذاتي، لأغلق في وجهها الباب.
في تلك الأثناء كان يمارس الأطفال ذكوريتهم على بنات أعرفهم، سواء في لعبنا في الساحة أمام ديار جدّي أو عندما كنا في المراهقة تشدّنا رغباتنا العاطفية تجاه المرضى النفسيين أو المخادعين أو حتَى عندما أصبحنا كِباراً بما يكفي لنعرف الخداع من الحقيقة ولكننا نصرّ على أن نختار اختيارات مهترئة مخافة الوحدة.
لا أحبّ أن يأذي أحدٌ من أحبهم، حتّى أنفسهم، حتّى وإن آذيتُ نفسي في خضمّ هذا دون وعي مني. وأشعرُ أحيانًا أن تلك ليست بشجاعة وإنما بوادر اضطراب.
لا شيء في هذه الحياة يجب أن يفوقك، أن يجعلك تنظر لنفسك دائمًا من مقام أقل من المقام الأول. يمكنك أن تذهب من أجل من تحبهم لمسافات بعيدة، وأن تحميهم، وأن تقف من أجلهم كمحامٍ عريقٍ مخضرم وأنتَ في الأساس سجينٌ في رواية أحدهم أو رواية نفسك، أن تذوب كالحديد حتّى لا تحرقهم النار بمفردهم. يمكن أن تفعل كل هذا، لكن أن تعي أن تلك ليست شجاعتك، لا أدري ما هي، لكنها ليست كذلك.
تحوّلت طاقتي الدفاعية تلك وتمحورت في أشكال أكثر نضجًا. لكنّها ما زالت متحفّزة وحيّة. ومازلت أنفعل وأقف لأبرر وأتواقح وأركل، لكنني أعطيتُ مجالاً للنعومة لتأخذ أشكالًا دفاعيةً كذلك، ولم تخذلني.
-
209/365
تعليقات
إرسال تعليق