223: صنعتُ صحراءَ لا أعرفها
كيف وصلتُ لهُنا؟ أنظرُ لنفسي في مرآة السيارة، بعد أن أطفىء مُحركها، وأثبّت فرامل اليد على وضع السكون، وأجلس لثوانٍ معدودة مُغلقة زجاج النوافذ دونما أي مصدر للصوت. هذه اللحظة التي يهدأ فيها العالم من حولي فأسمع -بوضوح بالغ- صوت من بداخلي، صوت ما بداخلي، إنّها الصراحات والمخاوف والهلاوس والقصص المركونة تتشاور وتتوشوش فيما بينها، ولولا الصمت المطبق لما سمعت لها حِسًّا.
في كل مرة أرجع فيها بذاكرتي بضع سنين للوراء يصيبني الذهول. رغم أن الحياة لم تكن مُشرّدة ولا قاسية بشكل لا يحتمل إلا أنّها كانت مُكدّسة ومكتظّة بشتّى أنواع التجارب. والذهول الحقيقي ليس في مرورها بل في كيفية حدوثها، كيف مررت من خلال كل هذه اللحظات وكيف مررت بها ثمّ نسيتها؟ وكيف سأصبح عندما أصل للأربعين من عمري؟ بالطبع سيتلاشى زخم العشرينات من مخيلتي. إنّ ما أعيشه الآن هو شكل من أشكال الذكرى المُهترئة في المستقبل.
إنَ كل ما شارك في تكوين وجداني قد شارك بدون وعي مني، وإن رغبتي في تحويل نفسي لنفس أخرى أكثر سعادةً هو الضغط الذي أورط نفسي فيه بكامل إرادتي. أنا أبحث عن سعادةٍ لا تبحث عني.
في المرآة يمكنني أن أرى نفسي فحسب، والتي تساعدني الكتابة على اكتشافها. ويبدو أن لحظة الوصول لن تكون الآن، ولا في هذا العقد حتّى، ولن أعرف أصلًا أنني وصلت لحظة الوصول، ليس لأن تلك عادتي في الطبيعة، بل لأنّ الوصول ليس لحظة، بل هو مشوار طويل، ولن تستطيع أن تُسمّي نقطة الوصول في المشوار الطويل.
عادتي الغبيّة تلك هي ما ستجعلني بعيدة كل البعد عن السعادة، لأنه حتى وإن أصبحتُ سعيدة في نهاية الأمر فستمرّ السعادة الأكبر من خلالي. كأن أنظر من حولي بعد مضيّ السنين لأجدني واقفةً في صحراء متقنة الصنع لها جبال وكثبان وصبارات هنا وهناك، بينما يُهيّئُ لي طوال هذه السنين أنني أُفلت رمالاً بيضاء من بين أصابعي فحسب.
أزيل مفتاح السيارة، وأشيح بوجهي بعيدًا عن المرآة، أفتح الباب وأتأكد أنني لم أنسى شيئًا بالداخل، أغلق الباب خلفي ثم أضغط على مفتاح السيارة لأتأكد من إغلاقها وأذهب في طريقي..
-
223/365
في كل مرة أرجع فيها بذاكرتي بضع سنين للوراء يصيبني الذهول. رغم أن الحياة لم تكن مُشرّدة ولا قاسية بشكل لا يحتمل إلا أنّها كانت مُكدّسة ومكتظّة بشتّى أنواع التجارب. والذهول الحقيقي ليس في مرورها بل في كيفية حدوثها، كيف مررت من خلال كل هذه اللحظات وكيف مررت بها ثمّ نسيتها؟ وكيف سأصبح عندما أصل للأربعين من عمري؟ بالطبع سيتلاشى زخم العشرينات من مخيلتي. إنّ ما أعيشه الآن هو شكل من أشكال الذكرى المُهترئة في المستقبل.
إنَ كل ما شارك في تكوين وجداني قد شارك بدون وعي مني، وإن رغبتي في تحويل نفسي لنفس أخرى أكثر سعادةً هو الضغط الذي أورط نفسي فيه بكامل إرادتي. أنا أبحث عن سعادةٍ لا تبحث عني.
في المرآة يمكنني أن أرى نفسي فحسب، والتي تساعدني الكتابة على اكتشافها. ويبدو أن لحظة الوصول لن تكون الآن، ولا في هذا العقد حتّى، ولن أعرف أصلًا أنني وصلت لحظة الوصول، ليس لأن تلك عادتي في الطبيعة، بل لأنّ الوصول ليس لحظة، بل هو مشوار طويل، ولن تستطيع أن تُسمّي نقطة الوصول في المشوار الطويل.
عادتي الغبيّة تلك هي ما ستجعلني بعيدة كل البعد عن السعادة، لأنه حتى وإن أصبحتُ سعيدة في نهاية الأمر فستمرّ السعادة الأكبر من خلالي. كأن أنظر من حولي بعد مضيّ السنين لأجدني واقفةً في صحراء متقنة الصنع لها جبال وكثبان وصبارات هنا وهناك، بينما يُهيّئُ لي طوال هذه السنين أنني أُفلت رمالاً بيضاء من بين أصابعي فحسب.
أزيل مفتاح السيارة، وأشيح بوجهي بعيدًا عن المرآة، أفتح الباب وأتأكد أنني لم أنسى شيئًا بالداخل، أغلق الباب خلفي ثم أضغط على مفتاح السيارة لأتأكد من إغلاقها وأذهب في طريقي..
-
223/365
تعليقات
إرسال تعليق