227: قصّ أطراف..


مرّ وقت طويل دون أن أشعر أن شعري يُمثّلني. نعم شعري بفتح الشين لا بكسرها. وفي كل ليلة أفكّر في قصِّه لكنّني أجدها حجة واهية للتعبير عن ذاتي، أو عن حزني، لا أعرف..

يدّعي الآخرون أنّ قصَّ الشعر يساعدك على نسيان حبّ قديم، نفسٍ قديمة. يحوّلك من خرقة بالية لفستانٍ مخمليّ له أكمام من الدانتيل. بينما -وعن تجربة شخصية- تتحوّل لفستان لو أمعنت فيه النظر لوجدته ما زال ذات الخرقة المهترئة.

لم أكن يومًا مهووسة بشَعري. وكنتُ أحبّه قصيرًا طوال الوقت. ماما كانت تُفضّل عليّ قصة " الكاريه" لأنّها -كما آمنت- تزيد من كثافة شعري.
كان شعر ماما في الثلاثينات من عمرها رائعًا، مع تمويجة كبيرة ومتراقصة ولون أسود غامق كثيف. وكان شعري -على رغم خلافاتنا المُبكّرة- يشبه شعرها. ولمّا بدأتُ في حبّ كرة القدم، قصصته أكثر لأجعل شكلي ذكوريّاً بما يكفي ليضمن لي الحصانة من الإستهزاء كلما رغبتُ في اللعب مع الأولاد.

ثمّ فجأة فقدتُ حماستي تجاه لعب الكرة بمجرد أن انقطعت لقاءاتي بعمّو عبدالله الذي بالمناسبة يملك سُمرة شيكابالا التي أحبّها، والتي ظلّت حتى يومنا تُمثّل الوسامة بالنسبة لي. ولا أتذكّر كيف اختفى عمّ عبدالله وكيف أصبح شعري طويلاً، لكن لونه لم يكن يشبه لون شعر ماما بعد الآن.
في الإمارات، تتميّز النساءُ بجمال شعورهنّ وكثافته، ونقاء لونه الأسود، وظللتُ أسمع طوال فترة دراستي في مدرسة الخان الإبتدائية عن سرّ اندماج الأعراق ما بين الهنود والإماراتيين، وكذا مع الإيرانيين والأفغان، وهُم بالطبيعة ذو شعور شديدة الجمال واللمعة.

لاحظتُ مؤخرًا، بعد أنا عملت في صيدلية تتوسّط منطقة " إماراتيين" (ما يعني أنّها منطقة يسكنها بالأغلبية أهل البلد لا الوافدين)، أنّ هذا الخليط العرقيّ بالفعلّ موجود وواسع، وأنّ أهل البلد الأصليين ذو الأصول النقيّة، لا يزوّجون أبناءهم من أصحاب الأصول المختلطة، أو للدقّة، لا تتمّ أمور كتلك بسلاسة تامّة، إنّها ذات الوصمة في أنّ تتزوج فتاةٌ من الصعيد شابًا من القاهرة وتنتقل للحياة والعمل معه أو أنّ يتزوّج رجل من فتاة أحبّها من أفريقيا فيرفضها المجتمع فقط لأنّ لها بشرة  داكنة أو لأنها مش من " سِلو بلدهم ".

أصبحتُ أحبّ شعري، طويلًا، حتى نسيته، لا أدري لمَ، هل الحجاب؟ أم الكسل؟ أم التعوّد؟ لا أعرف. ثمّ تذكّرته، فجأة. كأنّها لحظة اكتشاف أولى، فاستوعبت كم طال، وكم محطّمة كنت آنذاك، وكانت تلك المرة الأولى منذ سنوات التي لا أكتفِ فيها بقصّ الأطراف، فققصته كقصّة الطفولة الأولى، لكنّه لم يزدد كثافة، وراح يتساقط بشكل هيستيري حتى أصابتني مخافة أن يكون مرتبطًا بالشعر الذي شابهه، شعر ماما.

إن لفّ الشعر بالطريقة الكلاسيكية بما نسمّيه في العامية بالـ " كحكة " هو الشكل المثالي الذي نلجأ له عندما نسعى للجهل العمد، عندما نخاف أن نعرف ماهيّة شعورنا، فنتجاهل بملئ إرادتنا النظر له في المرآة والشعور به على أكتافنا أو حول أعناقنا، نُفضّل ألا نرى حاله لأننا سنعرف - بالضرورة - ما هي حالنا. وهي على الأغلب حالٌ لا تسرّ.

-

227/365

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا