234: يا شمس يا شمّوسة..

"د.نتريك" مُلصق على تكييف الغرفة. حاولتُ أن أقرأ اسم الطبيب لكنّني استصعبته، فتركتُ المحاولة في فهمه أو نطقه سوى أنني داومتُ على السرّ به بداخلي لأنّ لا مجال آخر لتشتيت ذهني عن الألم الذي يطنّ في رأسي.

لم أكن مستعدة للإستلقاء على هذا الكرسي تحديدًا، مرّت سنونٌ دون أن ألمسه، واستحثّت الرائحة فيّ ذكريات غير مُحببة في مُجملها. لكنني كنتُ شجّاعة جدًا في سنّ العاشرة مثلًا، لما أكن أتألم عادةً وكنت شديدة التحمّل، حتّى أنني كنتُ أتلقى حقنة التخدير المرعبة تلك بكل هدوء وطمأنينة، لا أعلم ما كان سرّ كل هذا السكون لكنّه -بالتأكيد- اختفى!

هذه الحياة العجيبة كانت بُعبعباً مُتوحّشًا للدرجة التي تمّكنت فيها من إرهاب فتاةٍ صغيرة لم تكن ترهبُ شيئًا سوى الأحلام السيئة وفكرة الموت.
لطالما شعرتُ أن الموت فكرة رديئة، بعد أن مات جدّي أمين، لم أأمن الدنيا، ولم يُمحَ من ذاكرتي مشهد وقع الخبر على ماما، لم أرَ في حياتي جبَلًا ينهار حتى رأيتُ ماما. كان بابا مُحبّاً وعاشقًا قبل أن يكون ابنًا، فكّر في زوجته ولم يفكّر في أنّها ابنة هذا الرجل الذي مات دون أن تراه. حاول أن يُعادل الكفتين فغلبه الحبّ وفضّل الكذب حتّى يبرد الدم في التربة. هذا ما اختاره أبي. وهذا ما ظلّت ماما تعاتبه عليه لشهور بعد غياب جدّي عن الحياة حتّى فهمت الخيارات بقلب ليس بنازف فسكنت.

لماذا أتحدّث عن جدّي الآن وأنا أجلس على هذا الكرسي المزعج الذي يشبه " شزلونج " العيادة النفسيّة؟! الحقيقة أن لا فرق كبير بين الكرسين، ففي الحالتين ليس مريحًا. إن كان طبيبك النفسي يتلو عليك بعض بوستاته الخاصة على الفيسبوك ثم سطرًا مقولبًا من كُتبه التي نشرها في معرض الكتاب هذا أو ذاك، فعلى الأغلب سيشابه صوته صوت زنّ الأدوات التي يستخدمها طبيب أسنانك. سيكون شيئًا لن تطرب له الآذان ولا الأذهان.

" د.نتريك" كادت أن تُصيبني بالجنون.. ما هذا الإسم بربّكم؟ أهو أمريكي؟ هل ماركة union air صينية أم أمريكية؟ لا يبدو الإسم صينيًا مُطلقًا.. ثمّ لمَ يُكتب بالعربية على كل الأحوال؟ 

" افتحي بؤك.. جامد "، فتحته، وأنا خائفة، أنا التي لم تكن تعتاد الخوف إلى هذا الحدّ، كنتُ خائفة، وكنت أتألم وأتلوى من أيّ وجع بسيط أو نغز يُحتمل. فاجئتني نفسي الهشّة. وفاجئتني بلاهتي، "دنتريك" وليس "د.نتريك". لم يكن دكتورًا إذًا، الآن هدِئت، حتّى أنّ شفاهي السفلى تنمّلت وفقدت الشعور بها. كِدتُ أنام.

-

234/365

تعليقات

  1. سلامتك .. وجمال كتابتك :)
    صباحك سكر
    لو أني في مزاج تدوينات كنت سأحكي طرائف وسخائف حكايتي مع طبيب الأسنان .. :)

    ردحذف
    الردود
    1. صباحك فل وهنا.. شكرًا وتسلم يا رب من كل سوء..
      هما كل زيارتهم طرائف وعجائب، عشان كده مش بنشوفهم غير في المناسبات اللازمة :")

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا