252: "الحبّ والصمت" والتشكك في النفس

أشعرُ وأنا على بعد مئة يوم أو يزيد من النهاية، بالإنهيار. إنَ عقلي تعِبٌ وأجندتي ثقبتها الأيام المتسارعة وجفاء الفكرة. والآن فقط أفكّر، هل كانت فكرة الثلاثمئة وخمس وستون يومًا فكرة صائبة؟ وهل يمكنني اليوم أن أنتحي بنفسي عنها؟

أشعر أن كتابتي باتت عاديّة، وأحيانًا أقلّ من العاديّة وأحيانًا أحيانًا رديئة. في الأيام الأخيرة ثمّة تدوينة لم تُكتب، لم يلحظها أحد. قد يأتي شعوري هذا مصحوبًا لقرائتي للصفحة الأخيرة في رواية " الحبّ والصمت" للكاتبة الراحلة عنايات الزيّات. والتي بالمناسبة تتشكك في نفسها من خلال بطلتها كما أفعل أنا. لا عجب، فقد حاولت عنايات نشر روايتها الأولى بعد عرضها على كُتاب كان لهم شأن أدبي كبير حينها، أعني في حدود خمسينيات العقد الفائت، لكنّها لم تستقبل يومًا سوى اللامبالاة الناهية التي بعث بها الكثيرون، وعلى السواء لم تستلم رفضًا ليجعلها ذلك تتذوّق من كأس الأمل بضع رشفات دون ارتواء.

حالة هائجة من الشكّ تلاعبت بي وراحت تدق عليّ بجنون بعدما انهيت روايتها، وما زاد الطين بلّة ابتعادي الواضح عن الكتابة التي أحبها. جعلني ذلك أتساءل عن فائدة الكتابة يوميًا لمدّة سنة؟ ماذا سيحدث؟ هل ستتشابه مصائر من يحاولون الكتابة ولا يعرفهم أحد؟ هل سيقرأ لهم أحد فقط بعدما يموتون؟ تمامًا كما حدث لعنايات والتي لم تترك عملًا أدبيّاً بسيطًا صادقًا فحسب، لكنّها أيضًا لامست كاتبةً نحبّها كإيمان مرسال فجعلتها تكتبُ عملًا فنيًّا متماسك للحدّ الذي يجعل وجود ثغر فيه أمر يستدعي فريق بحث!*

وأشعر أنني على مشارف الكتابة، أو الموهبة، لكنني لم أغُص فيها بعد. وكأنني لستُ جيّدة كفاية لإنهاء ما بدأته من شهور، أو أن الوقت هو لعبتي ذات الوجهين، وأنني كلما قصّرت عنق الفارق بين التدوينتين كلما ضعف المتن وتأثّر الكيان. لحظة التشكك هذه لم تشارك فيها عنايات عن قصد لكنّها حتمًا ظللت عليها بظلالها الخائفة. وأنا لا أحبّ الخوف.


*: كتاب " في أثر عنايات الزيّات" لإيمان مرسال عن دار الكتب خان- إصدار ٢٠١٩
-

252/365

تعليقات

  1. لماذا نكتب؟

    سؤال يداهمني في كل مرة هممت للكتابة .. ما الفائدة؟ .. ما الإنجاز الذي سأحققه من نقل أفكار تدور في عقلي إلي كلمات؟ .. ما الفائدة التي يحصل عليها أي شخص من قراءة ما أكتب.
    لم أجد إجابة بالطبع .. ولكن من قال أنه لا بد أن توجد فائدة من أي فعل نفعله .. وما المغزي من معرفة تلك الفائدة _ إن وُجدت _ علي أي حال ..
    هل يكتب الشخص لنفسه أولا ..
    كي نبوح .. كي تهدأ العاصفة .. كي نؤرخ مشاهد في ذاكرتنا نأبي أن تمر بلا توثيق ..
    هل نكتب حتي لا تصير الحياة مشاهد مُعادة مملة من عمل ونوم وأكل .. هل نكتب كي لا نصير آلات .. كي نتصل بذلك الجزء داخلنا الذي يتضاءل يوما بعد يوم..
    هل نكتب كي لا نعتاد علي ما تراه أعيننا وتشهده عقولنا ..
    بداخلنا جزء ما لا يزال قادر علي رؤية الجمال في أبسط شيء رغم آلية الحياة المقيتة .. في ابتسامة مختبئة .. في نظرة خجلي .. في زاوية مختلفة لنور الشمس في صباح يوم عادي ..
    ذلك الجزء ينمو بالكتابة .. تصير أعيننا كالرادارات ترصد .. ترفض أن تري المشاهد من الخارج فقط ..
    لأجل هذا نكتب ..

    إذا ما سبب تلك النشوة التي تصاحب رغبتنا الدائمة في أن يُنشر ما نكتب .. أن يأخذ حظه من القراءة .. لا أعرف .. ولكني أعرف أنه شعور ساحر .. ولكنه بالتأكيد ليس جوهر ما نكتب لأجله ..

    الكتابة ساحرة لا شك .. صياغة الجمل .. البحث عن الكلمة المناسبة .. عدم الرضي اللحظي عن ما نكتب .. والرضا الشديد حينما نعود إلي ما كتبنا منذ زمن .. لشيء بداخلنا ينمو بالكتابة ..

    وبرغم ما تمارسه الكلمات من عذاب لمن يكتب .. حين تأبي الإنصياع لما يشعر به .. حين تهرب .. ويصبح من الصعب جدا العثور عليها .. حينما تنفذ الأفكار .. حينما ترفضنا الكتابة .. فإنه لا شك أنها تحب محاولتنا المستميتة للرجوع لها .. تحب عدم توقفنا أو استسلامنا .. علي الأقل وإن كان علي مستوي التفكير فقط .. العقل الذي لا يكف عن محاولات الإتيان بشيء مختلف .. شيء يعيد لنا ذلك السحر ..

    استمري .. لأجل ذلك فقط

    ردحذف
    الردود
    1. " لشيء بداخلنا ينمو بالكتابة " لهذا أكتب يا عمرو.. عشان انا فعلًا بحسّ إن في زرعة بتنبت وبتكبر وبتدوم بالكتابة مهما كانت درجها حسنها أو سوءها بالنسبة لي، بس الزرعة دي فعلًا بتبدأ توضح وتزهر بيها. ويمكن التشكك مش في أصله بيعود لمين بيقرأ ومين لأ، قد ما أنا كقارئتي الأولى راضية ولا لأ..

      أنا ممتنة جدًا للوقت اللي قريت فيه وكتبت فيه التعليق المميز واللطيف ده يا عمرو..


      وسأستمر.. لأجل ذلك سأستمر..

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا