257: جدّتي التي تكتب..

البارحة كان يومًا مكتظًا ولذا غالبني النوم قبل أن أقابل الكتابة في جلسة ليلية هادئة. وكنت كلّما مررتُ شيئًا قلت لنفسي سأكتبُ عن هذا، ثم في صباح اليوم التالي، ألا وهو اليوم، نسيتُ كل شيء! وكأن كل ما رأيته البارحة امتزج حتى ذاب وانعدمت ملامحه..

إن الكتابة التي تجعل الإنسان في غنى عن أحزانه هي كتابة جوفاء، عن ما سنكتب إن لم تندمج الأحزان بأضلاع الحروف كأنهم في حالة عناق أخير! لا أُقدّس الحزن لكونه الحزن بالعكس، لكنني أقدّس الكتابة الصادقة، الكتابة التي تنبع من التجربة والمعايشة والملامسة، الكتابة التي تجعل القبلة بداية أبدية وكأنّ النهايات خدعة، الكتابة التي تجعل المحبة كالحرب لا انفكاك منهما إلا بالنصر. الكتابة التي تُشبه الإفطار البسيط والإفطار المتكلف على حدّ سواء، كسفرة ماما في صباح الجمعة. الكتابة التي ترافق الدموع واللهفة والنحيب، الكتابة التي تصاحب الفقد والإفتقاد. إن الحزن وإن كان وحشًا مريعًا فهو أصدق حالات الضعف. والصدق كل أشكال الكتابة.

البارحة، قالت جدّتي: "الناس مشقوقة شقا"، وأنا كذا أرى ذات الرؤية، الناس، مشقوقة، شقا يا ستّي، لكنّني لم أكن يومًا لأتمكن من وصفها بتلك الدقة وأنا التي أحاول الكتابة اليومية منذ ما يقارب السنة. جدّتي التي لا تعرف حتّى كيف تقرأ عنّي ما أكتب، تقول قولًا بديعًا، قولًا لا يخرج إلا من قلب الصادقين ولا ينبع إلا من روح المعاناة. هذه هي الكتابة وإن لم تُكتب على يدّ من قالوها. هذه هي الكتابة التي أُحبّ.

-


257/365



تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

299: يوم في زمن الكورونا

365: خطّ النهاية: حيث ارتاح العدّاء من الركض خلف أحلامه

10: يوميّات: أم حبيبة وأنا